L'éducation dans l'Islam : l'enseignement selon Al-Qabisi
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Genres
ولكن المسيحية لما انتشرت أولا في الشرق، ثم في آسيا الصغرى والإسكندرية وأثينا، اصطدم رجالها بعقول أهل الفلسفة الإغريقية الذين لا يقنعهم الإيمان المسيحي فحسب، وإنما يريدون أن يفهموا الديانة فهما عقليا منظما كما يفهمون النظم الفلسفية. من أجل ذلك اضطر القساوسة المسيحيون إلى التسلح بالأدلة العقلية العميقة للرد على انتقادات هؤلاء القوم، وهذا هو السبب في نشأة مدرسة الإسكندرية وغيرها للبحث في أساس الديانة المسيحية.
15
وفي أيام المسيحية الأولى انصرف المسيحيون إلى تطهير أنفسهم من أدران العالم المليء بالشرور، ولم يتصلوا بالحكومة على أي وجه، كما لم يكن بين الكنيسة والدولة صلة. فلما قوي نفوذ الكنيسة وأصبحت دولة داخل الدولة، برز فيها رجال عرفوا بالدهاء السياسي فجعلوا للكنيسة نفوذا مدنيا إلى جانب النفوذ الديني.
ولم تعجب هذه السياسة كثيرا من المسيحيين الزاهدين في النظر إلى الأمور الدنيوية والاتصال بالعالم المملوء بالآثام والشرور. فانصرفوا إلى الصحراء والجبال والغابات، واتخذوا من الكهوف والمغاور مأوى يحميهم من رذائل الناس. وتتلخص مبادئهم في المعيشة الأخوية، والزهد عن العالم والفقر والعفة والطاعة وشغل البدن بأشق الأعمال حتى تصفو الروح وتسمو. ويعيش الأعضاء في خلوة فلا يجتمعون إلا عند تناول الطعام والدعاء.
هذا هو بدء الرهبنة في الشرق، وانتشرت منها إلى الغرب في أوائل القرن الرابع الميلادي، وبلغت الأوج في القرن الخامس.
16
والرهبنة هي الجانب المتطرف في الدين المسيحي.
وهي رد فعل لحياة الترف والاستمتاع التي سادت في ذلك العصر.
هذا ما كان من شأن المسيحية في الشرق، تسلح بعض رجالها بعلوم اليونان والرومان للدفاع عن مبادئ العقيدة المسيحية، ونزل البعض الآخر إلى ميدان السياسة لتعليم المذهب المسيحي الذي قدر له الانتصار حتى أصبح دينا رسميا للدولتين، واعتصم فريق منهم بالزهد والرهبنة في الصوامع والأديرة.
ونشأ في الغرب صراع بين المسيحية وبين الشعوب المتبربرة، تغلبت فيه المسيحية كما تغلبت في الشرق. ولكن الشعوب الجرمانية كانت فتية مملوءة بالحياة، طافحة بالطموح، فكيف قبلت المسيحية التي تنادي بالحرمان والزهد؟
Page inconnue