Traductions égyptiennes et occidentales

Muhammad Husayn Haykal d. 1375 AH
56

Traductions égyptiennes et occidentales

تراجم مصرية وغربية

Genres

ولد لدفج فان بتهوفن بمدينة بون على مقربة من كولونيا في 16 ديسمبر سنة 1770، وكان أبوه مغنيا سكيرا، وكانت أمه خادما وابنة طباخ وأرمل فراش، وهذه بداية في الحياة لا تبشر بخير ولا بنعمة، بل هي نذير صراع للوجود قاس قتال، ولم يمهله أبوه إلى أكثر من الرابعة من عمره حتى تبين منه ميلا للموسيقى، فأراد أن يستغله بعرضه على الناس وحبسه ومعه كمنجا صغيرة، وأرهقه بالعمل حتى كاد يكره إليه فنا خلق له، لكن كسب الأب كان تافها، فكان لا بد للطفل أن يجني من عمله عيشه، فما بلغ الحادية عشرة حتى كان عازفا في أوركسترا أحد المسارح، وفقد أمه وهو في السابعة عشرة من عمره فحزن لفقدها أشد الحزن أن ألقى ذلك عليه أعباء العناية بأمر أسرته وتربية أخويه بسبب ما انحط من قوى أبيه.

وفي نوفمبر سنة 1792 ارتحل الموسيقي إلى فيينا عاصمة ألمانيا الموسيقية على أثر موت أبيه، وكان يومئذ كما كان طوال حياته ميالا للعزلة محبا للعمل حبا جما، وكان لذلك قد جعل من البيانة

1

خير أصدقائه، فإليها كان يبث شجنه حين اضطر لهجرة دار أهله وقد جعلتها عربدة أبيه جحيما، وإياها كان يستودع الأفكار الطريفة التي يفيض بها قلبه، وعليها كان يرتجل هذه الأفكار ارتجالا، ومعها كان يتناجى بما يجول في نفسه من خلجات وما يجيش به صدره من عواطف، وبها كان يعبر للنساء اللواتي أحب عما يغمر قلبه من هيام وما يحز فيه من غيرة، بل لقد كان يتحدث بها إلى أصدقائه، ولم يكن أكثر منها بلاغة للتعبير عما في نفسه، فقدت سيدة من معارفه ولدها وجزعت لفقده أي جزع، فلما ذهب بتهوفن يواسيها أمسك بيدها ووضعها على قلبه وقال لها: «إن ما أشعر به هنا لا سبيل إلى بيانه، لكن البيانة ستقوله عني.» ثم جلس إلى الآلة الموسيقية وارتجل قطعة يحكي في صدرها ألمه، ثم كانت للسيدة نعم العزاء، وكذلك كانت البيانة صديقته كما كانت موضع قوته في الموسيقى وسلطانه في الارتجال، بلغ من السلطان عليها حتى قال عنه موزار - الذي ملأت ألحانه آذان ذلك العصر وما تزال إلى اليوم من مفاخر الموسيقى - وقد سمعه وهو في السابعة عشرة من عمره يرتجل وحده في غرفة مجاورة للغرفة التي كان فيها موزار وجماعة من أصدقائه: «تنبهوا إلى هذا الشاب فسيكون موضع حديث الناس يوما من الأيام.»

ذهب إلى فيينا على أثر وفاة أبيه بدعوة من أعضاده وفي مقدمتهم الكونت دوالشتين، وكان أكبر همه من ذهابه إليها أن يدرس على هايدن أكبر المؤلفين الموسيقيين الألمان يومئذ، لكن هايدن كان مشغولا بتواليفه جد الاشتغال، فلم يجد الشاب من وقته ما يفيده، فتركه بل قاطعه وعمد ليدرس على البرختبرجيه، وكانت أخلاق هذا الأستاذ على علمه يشوبها كثير من الغرور والجفوة بما لا يتفق وأخلاق بتهوفن الحرة الثائرة، وعلى ذلك أكمل دراساته الموسيقية وحده فظل فيها من آثار النبو عن متعارف القواعد ما لم يعبأ به نبوغه الخالق وقوته الخارقة للعادة وسلطانه الذي حلق في السماء فخضعت له كل القواعد.

وعضده يومئذ البرنس لخنفسكي وآواه في داره وفرض له ستمائة فلورين سنويا، وألفت بينهما صداقة متينة لم تكن تخلو من أسباب لسوء التفاهم قضت دائما عليها الأميرة لخنفسكي التي كانت موسيقية تقدر فضل النابغة الذي يقيم معهم حق قدره.

ويومئذ كانت الثورة الفرنسية تغزو العالم كله بمبادئها، وكان بتهوفن خصما لها أول أمره، لكن مداومته قراءة هوميروس وأفلاطون وفرجيل وتاسيت وتبينه المبادئ الجمهورية التي قامت عليها الثورة؛ جعل منه نصيرا من أكبر أنصارها، ولذلك لم يتردد حين جاء إليه الجنرال الفرنسي برنادوت يطلب إليه أن يضع لحنا

symphonie

لمجد قنصل الثورة بونابارت، وأتم بتهوفن اللحن وكان على أهبة إرساله إلى باريس إذ علم أن نابليون توج نفسه إمبراطورا، فما لبث أن عاد إلى بيته ساخطا ومزق لحنه وقال: «هذا رجل مطامع كغيره من الرجال.» ولم يرد أن يسمع بعد ذلك عنه خبرا، ثم ألح عليه أصدقاؤه بعد سنوات من ذلك كي يعيد هذا اللحن إلى الحياة فغير فيه القطعة الثانية وكانت نشيد النصر ووضع بدلها نشيد الأسى، كأنما ينعى ما كان من انهيار آماله، وسمى اللحن لحن البطولة، وأضاف إلى عنوانه هذه العبارة: «إحياء لذكرى رجل عظيم».

ومن يومئذ بدأت تواليفه ومصنفاته تفيض فيضا، فكتب عدة ألحان من خير ألحانه كما كتب أوبرا فدليو، ويومئذ أحس بسلطانه وآمن بقوته وفاض عنه الرضا بالحياة والسكينة لها، وتدل الصور التي صورته في ذلك العصر على مبلغ طمأنينته وعظيم أمله في المستقبل، ففي سنة 1796 كتب في مذكراته الخاصة يقول: «إقداما! وبرغم أسباب ضعف الجسد فالنصر لعبقريتي ها أنذا بلغت الخامسة والعشرين، فيجب في هذا العام أن يظهر الرجل كاملا.» وذلك على أنه كان ما يزال في بداية حياته العامة، فأول حفلة عامة له كبياني وقعت في 30 مارس سنة 1795، لكنه لم يبق لديه ريب في قوته ولم يخف ذلك على أحد من أصحابه، بل كان يباهي به على صورة قد لا يرضاها من لم يكن له مثل مولده، كتب إلى الدكتور وجلر - صديق صباه في مسقط رأسه - يخبره بنجاحه العظيم، فكانت الفكرة الأولى عنده ظاهرة في قوله: «أرى مثلا صديقا محتاجا فإذا لم يسمح لي جيبي بالإسراع إلى معونته لم يكن علي إلا أن أجلس إلى منضدة العمل فإذا بي في وقت قصير قد سددت حاجته، ألست ترى هذا غاية في الجمال ... ويجب أن أقف فني على معونة الفقراء.»

Page inconnue