Biographies des célébrités de l'Orient au dix-neuvième siècle (Première partie)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Genres
ثالثا: أن المصريين فضلا عن قربهم من الطاعة وسهولة حكومته، فقد سبق محمد علي قبل ولايته وطبع على أذهانهم صورة حسنة من عدله وكرمه حتى حملهم على أن يطلبوا ولايته من الباب العالي رأسا، فلما تولاهم أحسن معاملتهم ورقى شئونهم وحافظ على رضاهم، فلم يأت عملا يوجب نفورهم، وحافظ مع ذلك على رضاء جنده القديم من الألبانيين وغيرهم الذين كانوا له عونا في ارتقاء أريكة الملك، حتى إذا أراد تنظيم جند جديد ورأى منهم تمردا اقتصر على تنظيم ذلك الجند من أهالي البلاد الأصليين بلا مقاومة وأضمر للمتمردين من رجاله وسيلة يتخلص بها منهم، فأنفذهم لفتح السودان على أن يفتحوها أو يبيدوا فيها وهم لا يشعرون، وفي ذلك من الدهاء والسياسة ما لا يخفى على اللبيب. أما علي باشا فقد كان مطمعه في الولاية محصورا فيما يرجوه من النفع المؤقت، وزد على ذلك أن الألبان قوم يصعب التسلط عليهم؛ لما تقدم من خشونة طباعهم وصعوبة مراسهم.
رابعا: أن مصر نظرا لبعدها عن مركز الخلافة كانت أقرب للاستقلال الإداري من ألبانيا؛ لأن هذه في الروملي قريبة من الآستانة، وكان الألبانيون أنفسهم كثيرا ما يتجندون في خدمة الدولة العلية مأجورين، فلم يكونوا قلبا واحدا مع واليهم، فلما قتل لم يبدوا مقاومة. ناهيك بغنى هذا القطر وما بذله محمد علي من المساعي الخيرية في تحسين الزراعة وتنشيط التجارة والصناعة، ففتح المعامل ونظم الجند ونشط العلم فدرت مصر ذهبا وفضة، فلقي أهلها رغدا وعيشا هنيئا أنساهم ما كانوا يقاسونه من البلاء على عهد المماليك، ولم يتأت لعلي باشا أن يفعل شيئا من ذلك ، ولعل طبيعة البلاد الخشنة من جهة، وانطباعه على السلب والنهب من جهة أخرى كانا من أكبر العقبات في سبيل الإصلاح.
خامسا: أن مساعي محمد علي في الولاية إنما كانت تحت ظل مصلحة الدولة، وفتح ما فتحه من البلاد باسمها، فلم يأت عملا يوجب الضغينة عليه منها إلا في حربه في الشام، فلما سئل الرجوع عنها أذعن، وتوسطت بعض الدول فجعلت لكل من الجانبين حدودا رضي بها الفريقان، ونال على أثر ذلك الامتيازات المعلومة.
سادسا وأخيرا: أن علي باشا هذا انخدع باقتراح خورشيد باشا انخداعا آل إلى قتاله وانقراض حكومته مما لا نظن محمد علي ينخدع به لو كان في مكانه؛ يدلنا على ذلك أنه لما كان قائدا لفرقة الألبانيين قبل أن يخطر بباله أمر الولاية، وتأخرت فرقته عن نجدة عساكر خسرو باشا في حرب المماليك، أراد خسرو الفتك به غيلة وطلب مقابلته سرا في منتصف الليل، فأدرك محمد علي بذكائه ودهائه أنه إنما يريد به شرا فلم يقبل دعوته، بل كان ذلك سببا قويا في سعيه إلى الولاية.
الفصل السادس والعشرون
بوغوص بك
شكل 26-1: بوغوص بك (ولد سنة 1768 وتوفي سنة 1844).
هو بوغوص بك يوسفيان، ولد في أزمير سنة 1768 وتثقف في مدارسها حتى برع في اللغات الأرمنية والتركية واليونانية والإيطالية والفرنساوية تكلما وكتابة، وتعاطى في أوائل شبابه التجارة عملا بمشورة أبيه، ثم تعين مترجما في قنصلية إنكلترا.
وفي سنة 1790 توفي والده، فقضت عليه الأحوال أن يأتي رشيد بالقطر المصري، فجاء وتعين في بعض مصالح الكمرك ثم انتقل إلى كمرك الإسكندرية، حتى إذا كانت الحملة الفرنساوية عام 1798 بقيادة نابليون بونابرت هاجر بوغوص إلى وطنه، ولما انسحب الفرنساويون سنة 1801 عاد إلى الإسكندرية.
وكان كمرك الإسكندرية إذ ذاك يحتكر بالمزايدة، ففي سنة 1810 انتهى المزاد عنده على أن يدفع خمسين كيسا في العام، والكيس يساوي خمسمائة غرش، وكان محمد علي قد تولى عرش الحكومة المصرية، فلما دنا انقضاء مدة الاحتكار استدعاه إليه لتجديد الشروط، وكان محمد علي على بينة من مقدار دخل الكمارك، فلما اجتمع به طلب منه خمسمائة كيس في العام لمدة خمس سنوات، فلم يقبل بوغوص في بادئ الرأي خوف الخسارة، فتعهد محمد علي إذا قل دخل الكمرك عن 500 كيس في السنة أتم له المبلغ من جيبه، وإذا زاد على ذلك قسم الربح بينه وبين الحكومة المصرية، فقبل بوغوص بك بذلك؛ لعلمه أن محمد علي لا يقدم على هذا الأمر إلا وهو ينوي للإسكندرية خيرا، وبالواقع أنه احتفر الترعة المحمودية فتسهلت وسائل النقل، وعظمت تجارة الإسكندرية فربح بوغوص أرباحا حسنة اقتسمها هو ومحمد علي، فأصبح شريكا للحكومة المصرية، وكان محمد علي قد جعل فوق يد بوغوص كاتبا يراقب حساباته، فوشى به سنة 1813 بأنه قبض مبلغا لم يدونه في دفاتره، فاستدعاه محمد علي إليه وكان يومئذ في دمياط وحاكمه، فأثبت الواشي دعواه بالحساب، فأمر محمد علي بإعدام بوغوص، فساقوه إلى السجن على أن يقتلوه في صباح الغد، وتولى الاحتفاظ به تلك الليلة رئيس حرس الباشا وهو كردي الأصل، وكان لبوغوص فضل عظيم عليه لأنه أنقذه مرة من القتل فعول هذا على مكافأته بالمثل.
Page inconnue