Biographies des célébrités de l'Orient au dix-neuvième siècle (Première partie)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Genres
ولا حاجة بنا إلى الدخول في تفاصيل هذه الحرب، ولكننا نقول بالاختصار إنه كان من نصيب صاحب الترجمة ملاقاة الروس في الروملي، ومعه عبد الكريم باشا، وسليمان باشا، ولم ينقض شهر مايو سنة 1877 حتى احتلت جنود الروس ضفة الطونا (الدانوب) الشمالية من كلفات إلى غلانس، على أن معظمهم كان في جورجيفو مقابل روستجق، والطونا - كما لا يخفى - فاصل بين رومانيا وبلغاريا، وكان عدد الجند العثماني في جنوب ذلك النهر نحو مائتي ألف مقاتل بقيادة عبد الكريم باشا، ومركز المعسكر في شملة على حدود البلقان. ولكنهم احتلوا كل الحصون على ضفة الطونا الجنوبية، وأصبح الموقف حرجا وصرحت الدول بحيادتها، وهدأت الحال شهرين والطونا فاصل بين الجيشين، ثم حاول الروس عبور النهر وعددهم 400000 مقاتل، وفي يونيو من تلك السنة عبروه من أماكن مختلفة، واحتلوا بعض المدن في بلغاريا وزحف البعض الآخر إلى جبال البلقان، وفي طريقهم هذه من الطونا إلى البلقان لقيهم صاحب الترجمة في بلافنا وردهم إلى الوراء في 7 يوليو.
ولكن قائدا روسيا اخترق حدود البلغار في جبال البلقان بشجاعة غريبة فكان لخبر تقدمه هذا وقع موجع في الآستانة، فنقل الباب العالي قيادة الجند من عبد الكريم باشا إلى محمد علي باشا، وهو بروسياني واسمه الأصلي شلوتز، وأصبح الجند العثماني في ساحة الحرب أربع فرق يقودها أربعة من القواد العظام، وهم: عثمان باشا في ويدين على ضفة الطونا في الغرب، ومحمد علي باشا في شملة بالشرق، وكلاهما شمالي جبال البلقان، وأما القائدان الباقيان، وهما: سليمان باشا، ورءوف باشا، فكانا في جنوبي تلك الجبال. (2) حصار بلافنا
وفي 30 يوليو هجم أربعون ألفا من الروسيين على بلافنا وفيها عثمان باشا وخمسة آلاف جندي، فدافع العثمانيون دفاعا حسنا، ولكن الروسيين لكثرتهم وفقوا في أول الأمر للاستيلاء على ذلك المكان الحصين، وكأن صاحب الترجمة نفخ في جنوده روحا حية فانقضوا على الروس انقضاض الصواعق، وصبوا عليهم نارا حامية، فتقهقر الروسيون وعاد العثمانيون إلى حصونهم، فتجدد القتال في اليوم التالي والفوز لا يزال مع العثمانيين، ففر الروس من ساحة الوغى وقد تركوا خمسة آلاف من جندهم بين قتلى وجرحى، وحدث فشل عظيم في معسكرهم.
وفي 6 سبتمبر 1877 عاد الروسيون إلى بلافنا بمدافعهم وبنادقهم، وأطلقوا القنابل على حصونها يومين متواصلين، فاستولوا على تلال في جنوبها في مساء 8 منه، وواصلوا الإطلاق طول الليل واليوم التالي والذي بعده، وفي 11 منه فتحوا حصن كريغتزا بعد جهاد اليأس. أما العثمانيون فتشددوا في اليوم التالي بتشجيع قائدهم الباسل وانقضوا على الروس بقلوب لا تهاب الموت فطردوهم واسترجعوا كل الحصون إلا كريغتزا، وخسر الروس في هذه المعركة سبعة آلاف رجل بين قتيل وجريح، ولما بلغ خبر هذا النصر إلى الآستانة أنعم جلالة السلطان على صاحب الترجمة بالنيشان العثماني المرصع مع لقب «غازي».
وعاد الروسيون مرة ثالثة بقيادة الجنرال تودلين بطل سباستبول فحاصروا بلافنا وصبوا عليها النيران من مدافعهم، وفي 19 أكتوبر فتحوا حصن كريغتزا الثاني بعد أن ارتدوا عنه مرتين، على أن العثمانيين عادوا فاستولوا عليه في تلك الليلة بقوة السلاح، وبنوا سورا آخر داخليا لزيادة المناعة.
ونظر صاحب الترجمة في مركزه الحرج فعلم أنه يحتاج إلى النظام أكثر منه إلى الرجال، فأمر كل من كان معه من الشراكسة والباشبوزق بالخروج من بلافنا، وثبت هو بمن بقي من جنده فيها ثبات الجبال.
وكان الروسيون في أثناء ذلك يحاربون ما يحيط ببلافنا من الحاميات العثمانية، ويطاردونهم حتى خلت تلك البقاع من الجند العثماني، إلا بلافنا فإنها ظلت ممتنعة إلى 10 دسمبر وقد نفدت مئونتها وانقطع عنها المدد، فخرج عثمان باشا من حصنه وهو ينوي أن يخترق صفوف المحاصرين لعله ينجو من حصاره، فسار في مقدمة رجاله، ومشوا جميعا إلى جهة واحدة والروسيون يطلقون عليهم النار وهم لا يبالون، فاخترقوا خطين من خطوط الجند الروسي ولم يبق لنجاتهم إلا خط واحد كادوا يخترقونه لو لم يروا بطلهم عثمان باشا سقط إلى الأرض هو وجواده وقد أصيب برصاصة اخترقت فخذه وأصابت الجواد، فظنوه قتل ففشلوا واضطروا للتسليم، فسلموا أسلحتهم بلا شرط وعددهم أربعون ألفا فضلا عن 20000 بين مريض وجريح، فلما سلم عثمان بعث إليه قائد الروسيين مركبة يركب فيها إلى بلافنا لمداواة جراحه فركب، وهو في الطريق لقيه الغراندوق نيقولا ومعه البرنس شارل أمير رومانيا فأوقفا عربته وسلما عليه مصافحة.
وفي صبيحة اليوم التالي سار صاحب الترجمة يتوكأ على طبيبه الخاص إلى القصر الذي نزل به القيصر إسكندر الثاني ببلافيا، فلما أقبل عثمان وقف له القيصر وسلم عليه وأثنى على بسالته وأمانته، وأعجب بما أبداه من الشجاعة في محاولته الخروج من بين صفوف المدافع والبنادق إلى أن قال: «وهذا سيفك أرده إليك إقرارا ببسالتك وأهليتك، ولك أن تتقلده في بلادي، وهذه مركبتي وهؤلاء حرسي تحت أمرك إذا شئت ركبت، وإن شئت مكثت.»
شكل 21-2: القيصر إسكندر الثاني.
ولا يخفى ما في ذلك من الإكرام الذي لم يصدر من هذا القيصر إلا لما يعتقده من فضل هذا القائد العظيم، ومما يزيد فضله في هذا الحصار أن الذين حاصروا بلافنا يزيد عددهم على 150000 ومعهم 600 مدفع، وقوات هذا الغازي لم تكن أكثر من خمسين ألفا وثمانين مدفعا، وقد رأينا مع ذلك أنه لما يئس من الزاد والذخيرة لم يطلب التسليم وهو داخل الحصون، ولكنه خرج مستقتلا فإما أن يسلم وإما أن يسلم، وكان لسقوط بلافنا دوي عظيم؛ ففرح به الروسيون واستاء العثمانيون. (3) أواخر أيامه
Page inconnue