Biographies des célébrités de l'Orient au dix-neuvième siècle (Première partie)
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Genres
فتخابرت الدول وتشاورت في أحسن الوسائل لضمان تلك الأموال واستهلاكها، فألفت لجنة دولية مشتركة سموها «لجنة صندوق الدين العمومي»، صدر الأمر العالي بتشكيله في 2 مايو عام 1876، وورد في ذلك الأمر أن هذا الصندوق قد أنشئ لتأمين أرباب الديون على ديونهم واستلام ما يستحق لهم من الفوائد وغيرها، وأن الحكومة لا يجوز لها تجديد قرض إلا بالاتفاق مع صندوق الدين، وأن الدعاوي التي يتراءى لصندوق الدين رفعها على الحكومة تنظر في المجالس المختلطة.
وكانت الديون المصرية قسمين: دين الحكومة، ودين الدائرة السنية، فضموهما في 7 مايو من تلك السنة إلى دين واحد فبلغ قدره 91 مليون جنيه، وسموه الدين الموحد بفائدة 7 بالمائة، ويتم استهلاكه في 65 عاما، ثم رأى إسماعيل باشا أن توحيدا على هذه الصورة لا يتيسر له إتمامه، فأصدر في 18 نوفمبر منها أمرا يقول فيه: أن تصدر الحكومة المصرية عليها سندات بمبلغ 17 مليون جنيه تكون ممتازة برهن خصوصي هو السكة الحديدية المصرية ومينا الإسكندرية وفائدته 5 بالمائة، وسماه «الدين الممتاز».
على أن كل هذه الوسائل لم تكن كافية لإقناع الدول؛ لأن الحكومة لم تكن تقوم باستهلاك الديون حسب الشروط، فعينت الدول عام 1878 لجنة مالية مختلطة لمراقبة حسابات الحكومة المصرية، فرأت فيها عجزا مقداره مليون ومائتا ألف جنيه، فتنازل إسماعيل باشا عن أملاكه الخاصة وأملاك عائلته للحكومة، وهي التي تعرف بأملاك الدومين، وتقرر في تلك السنة استقراض ثمانية ملايين جنيه ونصف وجعلوا أملاك الدومين رهنا لها، وهذا هو الدين المعروف بدين روشيلد.
وكانت أعمال الحكومة المصرية تجري بمقتضى إرادة الخديوي رأسا، أما بعد تداخل الأجانب بأحوال المالية فلم ير إسماعيل بدا من جعل حكومته شورية، فشكل مجلس النظار على ما هو عليه الآن برئاسة نوبار باشا، وصادق على تعيين ناظرين: أحدهما إنكليزي، وهو المستر ولسن للمالية، والآخر فرنساوي، وهو المسيو بلينير للأشغال العمومية، فرأى مجلس النظار أن يقتصد شيئا من نفقات الجند فرفت جانبا منهم، فثار المرفوتون، وجاء جماعة منه وفيهم 400 ضابط إلى نظارة المالية، وأمسكوا بنوبار باشا والمستر ولسن وطلبوا إليهما دفع ما تأخر لهم من رواتبهم، وخاطبوهم بعنف وشدة حتى علت الضوضاء وكادت تئول إلى ثورة لولا أن أقبل إسماعيل باشا وخاطب الجند ووعدهم وأمر بانصرافهم، أما هم فحالما رأوه ذعروا وكأنه جاءهم برقية أو سحر فانكفئوا راجعين، والمظنون أن ذلك حصل بالتواطؤ من قبل.
ثم استقال الوزيران نوبار ورياض تخلصا من عبء التبعة؛ لما آنسوه في أعمال الخديوي من الخطر، فشكل مجلسا آخر برئاسة ابنه توفيق باشا (الخديوي السابق) على أن ذلك لم يقلل شيئا من القلاقل؛ لأن الداء لم يكن في المجلس، ولكنه كان في مقاصد إسماعيل؛ لأنه استعظم إغلال يديه بمجلس فيه ناظران أجنبيان، فقلب هيئة ذلك المجلس في 7 أفريل عام 1879 وأخرج الناظرين الأجنبيين، وعهد برئاسة المجلس إلى المرحوم شريف باشا فعظم ذلك على دولتي إنكلترا وفرنسا؛ لأنهما اعتبرتا تلك المعاملة إهانة لهما فعمدتا إلى الانتقام، فسعتا في ذلك لدى الباب العالي سرا وجهرا، وفي 25 يونيو عام 1879 صدر الأمر الشاهاني بإقالته وتولية المغفور له توفيق باشا، وفي 30 منه، وقيل: في 26 سافر إسماعيل باشا من القاهرة إلى الإسكندرية ومنها إلى أوروبا، ويقال إنه خاطب ابنه توفيق باشا عند سفره قائلا:
لقد اقتضت إرادة سلطاننا المعظم أن تكون يا أعز البنين خديوي مصر، فأوصيك بإخوتك وسائر الآل برا، واعلم أني مسافر وبودي لو استطعت قبل ذلك أن أزيل بعض المصاعب التي أخاف أن توجب لك الارتباك، على أني واثق بحزمك وعزمك، فاتبع رأي ذوي شوراك وكن أسعد حالا من أبيك.
وما زال بعد سفره مقيما في أوروبا حتى أفضت به الحال إلى الإقامة في الآستانة العلية، فأقام فيها إلى أن توفاه الله في 6 مارس عام 1895 وله من العمر 65 عاما فحملت جثته إلى مصر ودفنت فيها. (2) أعماله وآثاره
قلنا: إن إسماعيل باشا كان شغفا بتنظيم المدن، حتى قيل: إنه يريد أن يجعل القاهرة تضاهي باريس بالنظام والترتيب، فنظم طرقها ووسعها وأكثر من فتح الشوارع الجديدة وبناء الأبنية الفاخرة؛ كالأوبرا الخديوية، والقصور الباذخة في القاهرة والإسكندرية، وأعظم تلك الأبنية سراي الجيزة، وهي مما تقصر عنه همم الملوك حتى ضربت بها الأمثال، وأنشأ المتحف المصري في بولاق، والمكتبة الخديوية بالقاهرة، وهما من أجل الآثار وأنفعها، وأما المتحف فقد أنشأه بأمره ماريت باشا وقبره فيه، وكان المتحف أولا في بولاق ثم نقل على عهد الخديوي السابق إلى سراي الجيزة، وهو اليوم في بناية بنوها له خاصة بجوار قصر النيل. أما المكتبة فقد كانت أولا في درب الجماميز، ثم بنوا لها بناية خاصة في ميدان باب الخلق نقلوها إليها، والمكتبة نفيسة تفتخر بها مصر على سائر الأمصار الشرقية لما حوته من الآثار العلمية، وبينها جانب كبير من الكتب الخطية التي يعز وجودها.
ومن أعماله أنه جر الماء بالأنابيب إلى بيوت العاصمة، وكان الناس يستقون قبلا بالقرب والصهاريج، وعمم زرع الأشجار في المدن وضواحيها، وأنار القاهرة بالغاز، وتدارك ما ينجم عن الحريق باستجلاب آلات الإطفاء.
وهو الذي نظم معظم فروع الإدارة على ما هي عليه الآن، فقسم القطر المصري إلى 14 مديرية، وعين لها المراكز، وأسس مجلس النواب ونظمه، ونظم مجالس القضاء الأهلي والقضاء الشرعي، وجعل لكل روابط وحدودا ووضع نظام المجالس الحسبية، وأنشأ مجلس حسبي القاهرة، وعلى عهده أنشئت المجالس المختلطة بمساعي دولتلو نوبار باشا، وقد أراد بها تقليل نفوذ القناصل، وحصر النفوذ الأجنبي، ولكنها كانت سببا لزيادة النفوذ واتساع دائرة المداخلة، وكانت مصلحة البريد قبلا شركات أجنبية فأنشأ مصلحة البوسطة المصرية، وجعلها من المصالح الأميرية كما هي الآن، وحسن مطبعة بولاق وزاد فيها، وأمر بترجمة الكتب المفيدة وطبعها ونشرها، وأسس معملا للورق، ونشط المطبوعات، فلم يكن في القاهرة قبله إلا جريدة الوقائع المصرية، ولم تكن تصدر على نظام، فجعل لها إدارة خاصة بها، وتكاثرت على عهده المطابع والجرائد العربية؛ كجريدة التجارة، ومصر، والوطن، والأهرام، والكوكب، الإسكندري، وروضة الإسكندرية، وروضة المدارس، واليعسوب، ونزهة الأفكار، وحديقة الأبصار، وغيرها، وبالجملة فقد كانت للعلم في أيامه نهضة، مرجع الفضل بها إليه؛ لأنه كان يقرب العلماء، ويجيز المجيدين منهم ويأخذ بناصرهم ماديا وأدبيا، وكان يشهد الاحتفال بامتحان التلامذة بنفسه ويسلم الجوائز لمستحقيها بيده، وقد يقف عند تقديمها تنشيطا لهم.
Page inconnue