بظل حائطه، والتقاط المتناثر من حب زرعه، وتناول الماء من نهره.
ليس بصحيح، لأنه لو كان الوجه فيه كونه نفعا خالصا لوجب كل نفع خالص، لأن صفة الوجوب لا تختص بمثل دون مثل، وقد علمنا ضرورة خلاف ذلك، وإنما قبح المنع بحيث ذكروه لكونه عبثا لا غرض فيه، ولهذا متى حصل فيه أدنى غرض حسن، ولو كان الوجه في قبح منعه كونه نفعا خالصا لم يحسن، لوجود غرض فيه كالظلم، على أن مثالهم بخلاف الأصلح، لقولهم بوجوب فعل ما فيه نفع خالص، وقد علمنا أنه لا يجب بناء الحائط للاستظلال به، ولا حفر النهر لتناول الماء منه، ولا نثر الحب للالتقاط، وإذا لم يجب فلا شاهد لهم.
ولا لهم أن يتعلقوا في إيجابه: بأن فاعله جواد ومانعه بخيل (1)، وصفة الجود مدح وهو جدير بها سبحانه، وصفة البخل ذم لا يجوز عليه تعالى.
لأن ذلك تعلق بعبارة يجوز غلط مطلقها وصوابه، ولا يجوز إثبات وجه الوجوب والقبح للموصوف ضرورة أو استدلالا؟ ولا يجوز عند أحد من العلماء إثبات صفات الذوات بها، على أن المعلوم اختصاص إطلاق الجود والبخل بغير من ذكروه، لأنه لا أحد يصف من لم يمنع من الاستظلال والالتقاط الذي هو شاهد طم بأنه جواد، وإنما يصفون بذلك من أكثر الإحسان كحاتم وإن كان عليه فيه ضرر، بل لا يصفون بالجود من له إحسان ما، ولو كان الجود اسما لمن ذكروه لوجب اختصاصه به، أو إطلاقه، والمعلوم خلاف ذلك.
وأما بخيل فليس بوصف لمن ليس بجواد، يعلمنا بوجود أكثر العقلاء غير موصوفين بالجود ولا البخل، ولو كان اسما لمن منع نفعا خالصا لوجب وصف كافة العقلاء به، حتى الأنبياء والأوصياء والفضلاء، لأنه لا أحد منهم إلا وهو مانع ماله هذه الصفة، وإنما هو مختص بمانع الواجب عليه لغيره، لكونه اسما للذم
Page 125