بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة الكتاب
الحمد لله الفتاح المنان، ذي الطول والفضل والإحسان، الذي من علينا بالإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان، ومحا بحبيبه وخليله وعبده ورسوله محمد ﷺ عبادة الأوثان وخصه بالمعجزة والسنن المستمرة على تعاقب الأزمان، صلى الله عليه وعلى سائر النبيين وآل كل ما اختلف الملوان وما تكررت حكمه وذكره وتعاقب الجديدان.
" أما بعد " فإن علم الحديث من أفضل القرب إلى رب العالمين، وكيف لا يكون وهو بيان طريق خير الخلق وأكرم الأولين والآخرين وهذا كتاب اختصرته من كتاب " الإرشاد " الذي اختصرته من علوم الحديث للشيخ الإمام الحافظ المتقن المحقق أبي عمرو عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن الصلاح ﵁، أبالغ فيه في الاختصار إن شاء الله تعالى من غير إخلال بالمقصود، وأحرص على إيضاح العبارة، وعلى الله الكريم الاعتماد وإليه التفويض والاستناد.
1 / 23
أقسام الحديث
الحديث: صحيح - وحسن - وضعيف.
[النوع] الأول: الصحيح
وفيه مسائل:
الأولى: في حده. وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة، وإذا قيل صحيح فهذا معناه لا أنه مقطوع به، وإذا قيل غير صحيح فمعناه لم يصح إسناده، والمختار أنه لا يجزم. في إسناده أنه أصح الأسانيد مطلقًا، وقيل أصلحها الزهري عن سالم عن أبيه، وقيل ابن سيرين عن عبيدة عن علي، وقيل الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، وقيل الزهري عن علي بن الحسن عن أبيه عن علي، وقيل مالك عن نافع عن ابن عمر، فعلى هذا قيل الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر ﵃.
1 / 25
الثانية: أول مصنف في الصحيح المجرد، صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما وأكثرهما فوائد، وقيل مسلم أصح، والصواب الأول، واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان، ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه، قيل لم يفتهما منه إلا قليل وأنكر هذا، والصواب أنه لم يفت الأصول الخمسة إلا اليسير، أعني الصحيحين، وسنن أبي داود والترمذي، والنسائي، وجملة ما في البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثًا بالمكررة وبحذف المكرر أربعة آلاف، ومسلم بإسقاط المكرر نحو أربعة آلاف، ثم أن الزيادة في الصحيح تعرف من السنن المعتمدة: كسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن خزيمة، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، وغيرها منصوصًا على صحته ولا يكفي وجوده فيها إلا في كتاب من شرط الاقتصار على الصحيح، واعتنى الحاكم بضبط الزائد عليهما، وهو متساهل، فما صححه ولم
1 / 26
نجد فيه لغيره من المعتمدين تصحيحًا ولا تضعيفًا حكمنا بأنه حسن إلا أن يظهر فيه علة توجب ضعفه، ويقاربه في حكمه صحيح أبي حاتم بن حبان، والله أعلم.
الثالثة: الكتب المخرجة على الصحيحين لم يلتزم فيها موافقتهما في الألفاظ فحصل فيها تفاوت في اللفظ والمعنى، وكذا ما رواه البيهقي، والبغوي، وشبههما قائلين: رواه البخاري أو مسلم وقع في بعضه تفاوت في المعنى، فمرادهم أنهما رويا أصله فلا يجوز أن تنقل منهما حديثًا وتقول هو هكذا فيهما إلا أن تقابله بهما أو يقول المصنف أخرجاه بلفظه، بخلاف المختصرات من الصحيحين فإنهم نقلوا ألفاظهما، وللكتب المخرجة عليهما فائدتان: علو الإسناد، وزيادة الصحيح؛ فإن تلك الزيادات صحيحة لكونها بإسنادهما.
الرابعة: ما روياه بالإسناد المتصل فهو المحكوم بصحته، وأما ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر فما كان منه بصيغة الجزم كقال، وفعل،
1 / 27
وأمر، وروى، وذكر فلان كذا، فهو حكم بصحته عن المضاف إليه، وما ليس فيه جزم كيروى، ويذكر، ويحكى، ويقال، وروي، وذكر، وحكي عن فلان كذا، فليس فيه حكم بصحته عن المضاف إليه، وليس هو بواه لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح، والله أعلم.
الخامسة: الصحيح أقسام: أعلاها ما اتفق عليه البخاري ومسلم، ثم ما انفرد به البخاري، ثم مسلم، ثم ما على شرطهما، ثم على شرط البخاري، ثم مسلم، ثم صحيح عند غيرهما، وإذا قاولوا صحيح متفق عليه أو على صحته فمرادهم اتفاق الشيخين، وذكر الشيخ تقي الدين أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه، وخالفه المحققون والأكثرون، فقالوا: يفيد الظن ما لم يتواتر، والله أعلم.
السادسة: من رأى في هذه الأزمان حديثًا صحيح الإسناد في كتاب. أو جزء لم ينص على صحته حافظ معتمد. قال الشيخ تقي الدين: لا يحكم بصحنه لضعف أهلية أهل هذه الأزمان، والأظهر عندي جوازه لمن تمكن وقويت معرفته، والله أعلم؛ ومن أراد العمل بحديث من كتاب فطريقه أن يأخذه من نسخة معتمدة قابلها هو أو ثقة بأصول صحيحة، فإن قابلها بأصل معتمد محقق أجزأه والله أعلم.
1 / 28
النوع الثاني: الحسن
قال الخطابي ﵀: هو ما عرف مخرجه. واشتهر رجاله، وعليه مدار أكثر الحديث، ويقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء. قال الشيخ: هو قسمان أحدهما لا يخلو إسناده من مستور لم تتحقق أهليته وليس مغفلًا كثير الخطأ ولا ظهر منه سبب مفسق، ويكون متن الحديث معروفًا برواية مثله أو نحوه من وجه آخر. الثاني أن يكونراويه مشهورًا بالصدق والأمانة ولم يبلغ درجة الصحيح لقصوره في الحفظ والاتقان، وهو مرتفع عن حال من يعد تفرده منكرًا ثم الحسن كالصحيح في الاحتجاج به وإن كان دونه في القوة؛ ولهذا أدرجته طائفة في نوع الصحيح، والله أعلم.
وقولهم: حديث حسن الإسناد أو صحيحه، دون قولهم حديث صحيح أو حسن؛ لأنه قد يصح أو يحسن الإسناد دون المتن لشذوذ أو علة، فإن اقتصر على ذلك حافظ معتمد فالظاهر صحة المتن وحسنه، وأما قول الترمذي وغيره: حديث حسن صحيح، فمعناه روي بإسنادين، أحدهما يقتضي الصحة، والآخر الحسن،
1 / 29
وأما تقسيم البغوي أحاديث المصابيح إلى حسان وصحاح مريدًا بالصحاح ما في الصحيحين، وبالحسان ما في السنن فليس بصواب؛ لأن في السنن الصحيح، والحسن،
والضعيف، والمنكر.
فروع
أحدها: كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن، وهو الذي شهره، وتختلف النسخ منه في قوله: حسن، أو صحيح ونحوه. فينبغي أن تعتني بمقابلة أصلك بأصول معتمدة، وتعتمد ما اتفقت عليه. ومن مظانه سنن أبي داود، فقد جاء عنه أنه يذكر فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما كان فيه وهن شدي بينه، وما لم يذكر فيه شيئًا فهو صالح، فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقًا ولم يصححه غيره من المعتمدين ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود، وأما مسند أحمد بن حنبل، وأبي داود الطيالسي، وغيرهما من المسانيد، فلا تلتحق بالأصول الخمسة وما أشبهها في الاحتجاج بها والركون إلى ما فيها، والله أعلم.
الثاني: إذا كان راوي الحديث متأخرًا عن درجة الحافظ الضابط، مشهورًا بالصدق والستر فروي حديثه من غير وجه قوي وارتفع من الحسن إلى الصحيح، والله أعلم.
1 / 30
الثالث: إذا روي الحديث من وجوه ضعيفة لا يلزم أن يحصل من مجموعها حسن، بل ما كان ضعفه لضعف حفظ رايه الصدوق الأمين زال بمجيئه من وجه آخر وصار حسنًا، وكذا إذا كان ضعفه بالإرسال زال بمجيئه من وجه آخر، وأما الضعف لفسق الراوي فلا يؤثر فيه موافقة غيره، والله أعلم.
النوع الثالث:
الضعيف
وهو ما لم يجمع صفة الصحيح أو الحسن، ويتفاوت ضعفه كصحة الصحيح، ومنه ما له لقب خاص: كالموضوع، والشاذ، وغيرهما.
1 / 31
النوع الرابع:
المسند
قال الخطيب البغدادي: هو عند أهل الحديث ما اتصل سنده إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل فيها جاء عن النبي ﷺ دون غيره، وقال ابن عبد البر: هو ما جاء عن النبي ﷺ خاصة، متصلًا كان أو منقطعًا، وقال الحاكم وغيره: لا يستعمل إلا في
المرفوع
المتصل.
النوع الخامس:
المتصل
ويسمى بالموصول، وهو ما اتصل إسناده مرفوعًا كان أو موقوفًا على من كان.
النوع السادس:
المرفوع
وهو ما أضيف إلى النبي ﷺ خاصة لا يقع مطلقه على غيره متصلًا كان أو منقطعًا، وقيل هو ما أخبر به الصحابي عن فعل النبي ﷺ أو قوله.
1 / 32
النوع السابع:
الموقوف
وهو المروي عن الصحابة قولًا لهم أو فعلًا أو نحوه متصلًا كان أو منقطعًا، ويستعمل في غيرهم مقيدًا، فيقال: وقفه فلان على الزهري ونحوه، وعند فقهاء خراسان تسمية الموقوف بالأثر، والمرفوع بالخبر، وعند المحدثين كله يسمى أثرًا.
فروع
أحدها: قول الصحابي كنا نقول أو نفعل كذا. إن لم يضفه إلى زمن النبي ﷺ فهو موقوف، وإن أضافه فالصحيح أنه مرفوع. وقال الإمام الإسماعيلي: موقوف. والصواب الأول، وكذا قوله: كنا لا نرى بأسًا بكذا في حياة رسول الله ﷺ، أو وهو فينا، أو بين أظهرنا أو كانوا يقولون، أو يفعلون، أو لا يرون بأسًا بكذا في حياته ﷺ فكله مرفوع، ومن المرفوع قول المغيرة: كان أصحاب رسول الله يقرعون بابه بالأظافير.
الثاني: قول الصحابي: أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، أو من السنة كذا، أو أمر بلال أن يشفع الأذان، وما أشبهه كله مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور. وقيل ليس بمرفوع، ولا فرق بين قوله: في حياة رسول الله ﷺ وبعده.
الثالث: إذا قيل في الحديث عند ذكر الصحابي: يرفعه، أو ينميه، أو يبلغ به، أو رواية كحديث الأعرج عن أبي هريرة رواية " تقاتلون قومًا صغار الأعين " فكل هذا وشبهه مرفوع عند أهل العلم
1 / 33
وإذا قيل عند التابعي: يرفعه فمرفوع مرسل، وأما قول من قال: تفسير الصحابي مرفوع فذاك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحوه، وغيره موقوف، والله أعلم.
النوع الثامن:
المقطوع
وجمعه والمقاطيع، وهو الموقوف على التابعي قولًا له أو فعلًا واستعمله الشافعي، ثم الطبراني في
المنقطع.
النوع التاسع:
المرسل
اتفق علماء الطوائف على أن قول التابعي الكبير: قال رسول الله ﷺ: كذا أو فعله يسمى مرسلًا، فإن انقطع قبل التابعي واحد أو أكثر قال الحاكم وغيره من المحدثين: لا يسمى مرسلًا بل يختص المرسل بالتابعي عن النبي ﷺ، فإن سقط قبله واحد فهو منقطع، وإن كان أكثر فمعضل ومنقطع،
1 / 34
والمشهور في الفقه والأصول أن الكل مرسل.
وبه قطع الخطيب، وهذا اختلاف الاصطلاح والعبارة، وأما قول الزهري وغيره من صغار التابعين: قال النبي ﷺ، فالمشهور عند من خصه بالتابعي أنه مرسل كالكبير، وقيل: ليس بمرسل بل منقطع، وأما إذا قيل: فلان عن رجل عن فلان فقال الحاكم: منقطع ليس مرسلًا، وقيل غيره مرسل، والله أعلم.
ثم المرسل حديث ضعيف عند جماهير المحدثين والشافعي وكثير من الفقهاء وأصحاب الأصول، وقال مالك، وأبو حنيفة في طائفة: صحيح، فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندًا أو مرسلًا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحًا، ويتبين بذلك صحة المرسل وأنهما صحيحان لو عارضهما صحيح من طريق رجحناهما عليه إذا تعذر الجمع، هذا كله في غير مرسل الصحابي، أما مرسله فمحكوم بصحته على المذهب الصحيح، وقيل كمرسل غيره إلا أن تتبين الرواية عن صحابي والله أعلم.
النوع العاشر:
المنقطع
الصحيح الذي ذهب إليه الفقهاء والخطيب أبن عبد البر وغيرهما من المحدثين أن المنقطع ما لم يتصل إسناده على أي وجه كان انقطاعه، وأكثر ما يستعمل في رواية من دون التابعي عن الصحابي، كمالك عن ابن عمر، وقيل: وما اختل فيه لرجل قبل التابعي محذوفًا كان أو مبهمًا،
1 / 35
وقيل: هو ما روي عن تابعي أو من دونه قولًا له أو فعلًا، وهذا غريب ضعيف.
النوع الحادي عشر:
المُعضل
وهو بفتح الضاد يقولون: أعضله فهو مُعْضَل وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر، ويسمى منقطعًا، ويسمى مرسلًا عند الفقهاء وغيرهم كما تقدم، وقيل: إن قول الراوي: بلغني كقول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: " للملوك طعامه وكسوته " يسمى معضلًا عند أصحاب الحديث، وإذا روى تابع التابعي عن التابعي حديثًا وقفه عليه وهو عند ذلك التابعي مرفوع متصل فهو معضل.
1 / 36
فروع
أحدها: الإسناد المعنعن وهو فلان عن فلان، قيل: أنه مرسل، والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث والفقه والأصول، أنه متصل بشرط أن لا يكون المعنعن مدلسًا وبشرط إمكان لقاء بعضهم بعضًا، وفي اشتراط ثبوت اللقاء وطول الصحبة ومعرفته بالرواية عن خلاف، منهم من لم يشترط شيئًا من ذلك وهو مذهب مسلم بن الحجاج ادعى الإجماع فيه، ومنهم من شرط اللقاء وحده، وهو قول البخاري، وابن المديني، والمحققين. ومنهم من شرط طول الصحبة ومنهم من شرط معرفته بالرواية عنه، وكثر في هذه الأعصار استعمال عن في الاجازة، فإذا قال أحدهم: قرأت عن فلان عن فلان، فمراده أنه رواه عنه بالإجازة والله أعلم.
الثاني: إذا قال حدثنا الزهري أن ابن المسيب حدثه بكذا، أو قال: قال ابن المسيب: كذا أو فعل كذا، أو كان ابن المسيب يفعل، وشبه ذلك. فقال أحمد بن حنبل وجماعة: لا تلتحق أن وشبهها بعن بل يكون منقطعًا حتى يتبين السماع، وقال الجمهور: أن كعن، ومطلقه محمول على السماع بالشرط المتقدم، والله أعلم.
الثالث: التعليق الذي يذكره الحميدي وغيره في أحاديث من كتاب البخاري وسبقهم باستعماله الدارقطني، صورته أن يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر، وكأنه
1 / 37
مأخوذ من تعليق الجدار لقطع الاتصال، واستعمله بعضهم في حذف كل الإسناد كقوله: قال رسول الله ﷺ: أو قال ابن عباس: أو عطاء أو غيره كذا، وهذا التعليق له حكم الصحيح كما تقدم في نوع الصحيح ولم يستعملوا التعليق في غير صيغة الجزم كيروى عن فلان كذا، أو يقال عنه، ويذكر، ويحكى؛ وشبهها بل خصوا به صيغة الجزم. كقال، وفعل، وأمر، ونهى، وذكر، وحكى، ولم يستعملوه فيما سقط وسط إسناده، والله أعلم.
الرابع: إذا روى بعض الثقاة الضابطين الحديث مرسلًا، وبعضهم متصلًا، أو بعضهم موقوفًا، وبعضهم مرفوعًا، أو وصله هو أو رفعه في وقت وأرسله ووقفه في وقت فالصحيح أن الحكم لمن وصله أو رفعه، سواء كان المخالف له مثله أو أكثر؛ لأن ذلك زيادة ثقة وهي مقبولة. ومنهم من قال: الحكم لمن أرسله أو وقفه. قال الخطيب: وهو قول أكثر المحدثين، وعند بعضهم الحكم للأكثر، وبعضهم للأحفظ، وعلى هذا لو ارسله أو وقفه الأحفظ لا يقدح الوصل والرفع في عدالة رواية، وقيل يقدح فيه وصله ما أرسل الحفاظ، والله أعلم.
1 / 38
النوع الثاني عشر:
التدليس
وهو قسمان.
الأول: تدليس الإسناد بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهمًا سماعه قائلًا: قال فلان. أو عن فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه وأسقط غيره ضعيفًا أو صغيرًا تحسينًا للحديث.
الثاني: تدليس الشيوخ بأن يسمي شيخه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف، أما الأول فمكروه جدًا ذمه أكثر العلماء، ثم قال فريق منهم: من عرف به صار مجروحًا مردود الرواية وإن بين السماع، والصحيح التفصيل، فما رواه بلفظ محتمل لم يبين فيه السماع فمرسل وما بينه فيه، كسمعت، وحدثنا، وأخبرنا وشبهها فمقبول محتج به، وفي الصحيحين وغيرهما من هذا الضرب كثير، كقنادة، والسفيانين وغيرهم، وهذا الحكم جار فيمن دلس مرة، وما كان في الصحيحين وشبههما عن المدلسين بعن محمول على ثبوت السماع من جهة أخرى، وأما الثاني فكراهته أخف وسببها توعير طريق معرفته، ويختلف الحال في كراهته بحسب غرضه ككون المغير السمة ضعيفًا، أو صغيرًا، أو متأخر الوفاة، أو سمع كثيرًا فامتنع من تكراره على صورة، وتسمح الخطيب وغيره بهذا، والله أعلم.
1 / 39
النوع الثالث عشر:
الشاذ
هو عند الشافعي وجماعة من علماء الحجاز ما روى الثقة مخالفًا رواية الناس لا أن يروي ما لا يروي غيره، قال الخليلي: والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به ثقة أو غيره، فما كان من غير ثقة فمتروك، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به، وقال الحاكم: هو ما انفرد به ثقة وليس له أصل بمتابع، وما ذكراه مشكل بافراد العدل الضابط كحديث " إنما الأعمال بالنيات " والنهي عن بيع الولاء وغير ذلك مما في الصحيح، فالصحيح التفصيل فإن كان مفرده مخالفًا أحفظ منه وأضبط كان شاذ مردود، وإن لم يخالف، فإن كان عدلًا حافظًا موثوقًا بضبطه كان مفرده صحيحًا، وإن لم يوثق بضبطه ولم يبعد عن درجة الضابط كان حسنًا، وإن بعد كان شاذًا منكرًا مردودًا، فالحاصل أن الشاذ المردود: هو الفرد المخالف، والفرد الذي ليس في رواية من الثقة والضبط ما يجبر تفرده، والله أعلم.
1 / 40
النوع الرابع عشر: معرفة المنكر
قال الحافظ البرديحي هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه، وكذا أطلقه كثيرون، والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ، فإنه بمعناه، والله أعلم.
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
هذه أمور يتعرفون بها حال الحديث، فمثال الاعتبار: أن يروي حماد مثلًا حديثًا لا يتابع عليه عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي ﷺ، فينظر هل رواه ثقة غير أيوب عن ابن سيرين، فإن لم يوجد فثقة غير ابن سيرين عن أبي هريرة وإلا فصحابي غير أبي هريرة عن النبي ﷺ، فأي ذلك وجد علم أن له أصلًا يرجع إليه، وإلا فلا. والمتابعة أن يرويه عن أيوب غير حماد وهي المتابعة التامة، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي ﷺ صحابي آخر. فكل هذا يسمى متابعة، وتقصر على الأولى بحسب بعدها منها، وتسمى المتابعة شاهدًا، والشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه، وى يسمى هذا متابعة، وإذا قالوا في مثله تفرد به أبو هريرة أو ابن سيرين أو أيوب أو حماد كان مشعرًا بانتفاء المتابعات، وإذا انتفت مع الشواهد فحكمه ما سبق في الشاذ،
1 / 41
ويدخل في المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج به ولا يصلح لذلك كل ضعيف، والله أعلم.
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وحكمها
هو فن لطيف تستحسن العناية به، ومذهب الجمهور من الفقهاء والمحدثين قبولها مطلقًا، وقيل: لا تقبل مطلقًا، وقيل تقبل إن زادها غير من رواه ناقصًا ولا تقبل ممن رواه مرة ناقصًا، وقسمه الشيخ أقسامًا.
أحدها: زيادة تخالف الثقات كما سبق.
الثاني: ما لا مخالفة فيه كتفرد ثقة بجملة حديث فيقبل، قال الخطيب: باتفاق العلماء.
الثالث: زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواته كحديث " جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا " تفرد أبو مالك الأشجعي فقال: " وتربتها طهورًا " فهذا يشبه الأول ويشبه الثاني، كذا قال الشيخ والصحيح قبول هذا الأخير، ومثله الشيخ أيضًا بزيادة مالك في حديث الفطرة " من المسلمين "
1 / 42
ولا يصح التمثيل به فقد وافق مالكًا عمر بن نافع، والضحاك بن عثمان، والله أعلم.
النوع السابع عشر: معرفة الإفراد
تقدم مقصوده، فالمفرد قسمان.
أحدهما: فرد عن جميع الرواة وتقدم.
الثاني: بالنسبة إلى جهة كقولهم: تفرد به أهل مكة والشام، أو فلان عن فلان أو أهل البصرة عن أهل الكوفة وشبهه، ولا يقتضي هذا ضعفه إلا أن يراد بتفرد المدنيين إنفراد واحد منهم فيكون كالقسم الأول، والله أعلم.
النوع الثامن عشر:
المعلل
ويسمونه المعلول وهو لحن، وهذا النوع من أجلها، يتمكن منه أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب،
1 / 43