Tao Tö King : Le Livre de la Voie et de la Vertu
تاو-تي-كنج: كتاب الطريق والفضيلة
Genres
ومع ذلك فهذه الديانة أو هذا المذهب الذي يعد لاو تسي مؤسسه الأول يحيط به الظلام والغموض من كل ناحية. فالتصور الأساسي فيه، وهو «التاو» (الطريق) قد ورد في مواضع كثيرة من حكم كونفوشيوس بمعنى طريق الملوك الأقدمين، أو طريق السلوك الصحيح في الحياة. وهو يرد في التاوية القديمة بمعنى الطريق إلى الحياة الأبدية، كما يشهد بذلك البيت الأخير من القصيدة التاسعة والخمسين حيث يقول:
هذا هو طريق الحياة الأبدية،
طريق الرؤيا الدائمة.
ثم اتسع مدلول الكلمة فكانت تطلق على طريق العالم، أو الطبيعة، وعلى مبدأ كل حياة ووجود، حتى أصبحت تدل أخيرا على تلك الحقيقة التي لا تحيط بها الأسماء والصفات، وإن اضطرت الإنسان إلى تسميتها بالطريق حتى يستطيع أن يتحدث عنها.
أما عن كلمة «تي» التي ترد بعد «التاو» في اسم هذا الكتاب المقدس فقد مرت كذلك بمراحل عديدة. كانت في البداية تدل على القوة السحرية التي يوصف بها من يقوم بالشعائر والطقوس على الوجه الصحيح، ثم أطلقت بعد ذلك على كل من يسلك السلوك الأخلاقي الطيب. وهي في الحقيقة تلتقي مع كلمة
Virtus
اللاتينية التي تترجم عادة بالفضيلة، وإن كانت تعني كذلك القوة والطاقة والإرادة الكامنة في أعماق الإنسان.
والهدف من التصوف التاوي هو العودة بالإنسان إلى الطبيعة الأصيلة، إلى بساطتها وبراءتها وصفائها الأول، والرجوع بذلك إلى الحياة الأبدية الباقية. وتتمثل هذه البساطة الأولى في الطفل، كما تتمثل في اللانهائي واللامحدود، وفي كتلة الخشب الخام الذي لم تمسسه يد بشر، ولم تحاول معالجته بالتشكيل والتصنيع. ولكن هناك عقبات كثيرة تحول بين الإنسان وبين السير على طريق الأبد والبقاء، هناك الأنانية، والسعي الدائب إلى الكسب والشهرة والنجاح، وهناك الحضارة والفن وقوانين الحكم والتعلم، بالمعنى الذي يجعل الإنسان يستزيد من المعلومات «عن العالم» بدلا من معرفة «العالم» نفسه، ويطلب الدرس والتحصيل فيفقد الحب والحكمة. وطريق الحكيم إلى السعادة يتلخص في كلمة واحدة هي «وو-وي»؛ أي التخلي عن الفعل وعدم العمل عن طريق الحد من البذور والكلمات والأفعال. وليس المقصود بذلك هو الكسل أو التواكل والجمود، بل هو عدم «التدخل» في مجرى الطبيعة، والإعراض عن كل فعل من شأنه أن يثير شهوة النجاح والتملك والسيطرة، ويولد بدوره من الأفعال ما يزيد من حدة التنافس بين الناس، ويدفعهم إلى تسلق سلم الطموح والشهرة والتحكم الذي لا آخر له. فالحكيم كما تقول إحدى القصائد، لا يشتهي شيئا، اللهم إلا ألا يشتهي. إنه يسير على طريق يخالف طريق الفكر الغربي الذي يطبع العالم اليوم بطابعه، وينشر سلطانه المفزع حتى على البلد الذي نشأ فيه الحكيم نفسه، ذلك أن مفكر الغرب - منذ ألقى الفيلسوف اليوناني الأول سؤاله المشهور: ما هو الموجود؟ مارا ببيكون وديكارت في أوائل العصر الحديث حتى أيامنا هذه - قد انساق بإرادته أو بغير إرادته وراء السيطرة على العالم، والتحكم فيه بالعقل واليد والآلة، بينما حاول الحكيم الشرقي دائما أن يحب العالم ويعانقه ويندمج فيه.
ونخطئ خطأ كبيرا إن ظننا أن الحكيم الصيني قد نادى بالتخلي عن العالم أو إهمال الجسد؛ ذلك أن السعادة التي ينشدها روحية بقدر ما هي جسدية. بل إنه لا يفرق بين جسد وروح كما يفرق بين دنيا وآخرة، بين وجود أرضي ووجود آخر وراءه كما فرقت بينهما الفلسفة الإغريقية مثلا، من أدل الأشياء على ذلك - فيما يقول المتخصصون في اللغة الصينية - أن كلمة شن تدل على الجسد كما تدل على الروح في آن واحد، كما تشير إلى ذلك القصيدة الثالثة عشرة. فالحياة الأبدية إذن استمرار للحياة الجسدية، والمحافظة على الحياة الجسدية تكاد تكون فكرة أساسية في هذا الكتاب، إن لم تكن هي لبه وجوهره. وإذا كان الازدهار يتبعه الذبول، فإن الحكيم يريد للإنسان أن يعيش في ربيع دائم، وأن يقف بكل طاقته في طريق العجز والشيخوخة، ولكن قانون الطبيعة يقول إن الازدهار يتبعه الذبول، وإن الحياة تنتهي بالموت؛ ولذلك فإن الحكيم التاوي يرى أن كل أمل للإنسان في الخلود ينتهي حين يبلغ السبعين من عمره. فعلى الإنسان إذن أن يبقى بغير عمل، ولن يجد شيئا لم يعمل، أن يلزم السكينة والهدوء، وسوف تنحل كل العقد من تلقاء نفسها، أن يجرد ذاته من شهوة الكسب والنجاح، فيصل إلى الكسب والنجاح الحقيقيين بالاتحاد مع «التاو»، طريق السماء. هذا المذهب في السلوك والحياة يكون أبعد ما يكون أثرا على حياة الرعية حين يأخذ به الراعي نفسه؛ ولذلك نجد الحكيم يوجه حديثه إلى الحاكم بوجه خاص، ويهتم بنجاته وتحكمه في نفسه أشد الاهتمام. وهذه العناية بالحاكم أو الملك مستمدة من طبيعة النظرة الصينية نفسها منذ القدم، فهي لم تفصل أبدا بين الكون الصغير والكون الكبير، ولم تذكر الأرض والسماء إلا ذكرت معهما الملك والحاكم، ولم تتحدث عن الفضيلة الصوفية إلا وتحدثت عن فضيلة الحكم وإدارة شئون الدولة. وشخصية الحكيم نفسه مزيج من الزاهد العاكف على التأمل والحاكم المدبر لشئون الرعية، فإذا قال عن الحكيم أو القديس (في القصيدة الثانية عشرة) إنه «يعمل من أجل البطن لا من أجل العين.» فهو يحدد بذلك قاعدة السلوك الصحيح للفرد، كما يحدد قاعدة الحكم للحاكم. إنه ينصحه بأن يهتم بإشباع الشعب لا «بتفتيح عينيه» أو إيقاظ شهواته؛ وبذلك تتداخل خيوط الصوفية والحكمة العملية والسياسية في نسيج واحد.
ولكي نفهم هذا الكتاب حق الفهم ينبغي أن نعرف البيئة والظروف التي نشأ فيها. لقد كانت السكينة والهدوء وعدم الفعل محاولة من مؤلفه المجهول لفض المنازعات الدامية التي سادت في عصره؛ فقد ظلت الإمارات والدويلات الصينية منذ القرن الخامس قبل الميلاد تتصارع على السيادة وتشتبك في حروب ومؤامرات لا آخر لها. كان الاستيلاء على الدولة أو المملكة هو مشكلة الساعة كما نقول اليوم (راجع القصائد 29، 31، 48). وراح الفلاسفة والحكماء يرحلون من إمارة إلى إمارة ليدلوا أصحابها على أفضل طريق إلى السيادة على العالم (فقد كانت المملكة ومملكة الأرض بالنسبة للصيني شيئا واحدا). اقترحوا عليهم أن يتحدوا مع دولة تسين Tsin التي كانت تنمو وتتضخم على نحو ينذر بالخطر أو يتحدوا ضدها، ولكن فكرتهم عن إقامة دولة القانون والبوليس، وهي التي عرفت فيما بعد بالنظرية القانونية، وجدت الترحيب والقبول في نفوس الأمراء، ونشأت نظرية الحكم القانوني في مملكة تسي الغنية في شمالي شرقي الصين، ثم تطورات إلى أقصى حد في مملكة تسين
Page inconnue