Tao Tö King : Le Livre de la Voie et de la Vertu
تاو-تي-كنج: كتاب الطريق والفضيلة
Genres
فكلما زاد حظه من العلم
كان عسيرا على الحكم.
ولعل من السخرية أن الذي ينصح الناس بعدم الفعل وعدم الكلام قد اضطر إلى تدوين أسرار حكمته في خمسة آلاف كلمة! •••
قلنا إن كتاب تاو-تي-كنج مزيج من التصوف والحكمة العملية والنظرية السياسية. ولم يكن بد من أن يعرضه ذلك لمختلف التفسيرات والتأويلات على مر العصور. فقد تفرعت التاوية في القرون الأولى بعد الميلاد إلى فرعين: مذهب في الكون والحياة يؤمن به مجموعة من المثقفين المنعزلين عن العالم، وعقيدة سحرية شعبية استجابت لها جموع الفلاحين. واشتبكت التاوية في صراع حاد مع البوذية، وسرعان ما ارتفع لاو تسي إلى صفوف الآلهة، وأصبحت التاوية دينا له معابده وأسراره وكهنته وطقوسه كما أصبحت وسيلة لممارسة فنون السحر والدجل والشعوذة.
أما تأثيرها السياسي فمن الصعب تقديره. فيروى أن الحكم السعيد الذي اشتهر به أحد قياصرة دولة هان (وهو ون-دي الذي حكم من عام 179 إلى عام 157 قبل الميلاد) يرجع قبل كل شيء إلى تأثير الفلسفة التاوية عليه. كما يروى أن أمه كانت تحب كلمات لاو تسي ولم تكن تميل إلى فنون الكونفوشيين. وقد استطاع ابنها بالتواضع والتسامح والهدوء أن يقلم أظفار الطموح في قواده ومستشاريه وأن يقف في وجه أعدائه الشماليين من الهون-خان وينشر السعادة والرخاء في بلاده. كما أن انتشار فكرة عدم العمل في عهد ازدهار التاوية الجديدة في القرنين الثالث والرابع بعد المسيح (وبخاصة على يد مستشار الدولة وانج يان) هو المسئول إلى حد كبير عن العام الأسود 311ق.م. الذي مرت به دولة الصين؛ إذ وقعت في أيدي قبائل الهون وانشقت على نفسها قرونا عديدة. ومع ذلك فقد يمكن القول بأن الفهم الصحيح لفكرة الامتناع عن العمل، وهو عدم الإفراط أو تجاوز الحد، هو الذي كفل لدولة الوسط (الصين) أن تتصل حضارتها وتاريخها من العصور القديمة إلى اليوم.
لم يعد هناك شك في أن التاوية كانت انقلابا عظيما على الدين التقليدي في الصين وحماسا شديدا في سبيل المطلق، كما كانت رد فعل قوي ضد الطقوس القديمة وحربا على النفاق الاجتماعي ومراسم اللياقة والسلوك. فالتاويون متصوفون يندمجون في الطبيعة، ويمقتون النفاق، ويرفعون من شأن الإلهام والروح الشعرية الغنائية أمام سيادة العقل والتعاليم الأخلاقية الشكلية عند الكونفوشيين، كما يقدمون الحكمة على المعرفة، وينصرون الفرد في وجه الجماعة، ويفسحون المجال لخلجات النفس وأشواق الروح وشرارة الخيال تجاه ما قرره الكونفوشيون من واجبات الإنسان ومسئولياته أمام الأسرة والنظام الاجتماعي. وإذا كان الحكيم التاوي يريد أن يحرر نفسه من كل رغبة في الامتلاك، فلا شك في أنه لم يكن يسعى إلى شيء كسعيه إلى امتلاك المطلق، الواحد، الأول، البسيط، والرجوع إلى «التاو» مبدأ كل حياة وسر كل وجود.
إن القارئ الذي يتعمق في قراءة هذا الكتاب، لا بد سيحس بضرورته في عصر التسابق والصراع الذي لا يعرف حدا للطمع والقلق والطموح. وسوف يبتسم بالطبع في نهاية الأمر حين يطلب منه الحكيم الطيب أن يمتنع عن العمل لكي يصل إلى الطريق. إذ كيف يفهم ما يريده الحكيم بالعمل؟ وإذا امتنع عن العمل فكيف يستطيع أن يبرر حياته في زمن لا يقدس شيئا كما يقدس العمل؟
الحق أنه لو كان التوقف عن النشاط والعمل مرادفا للكسل والاستكانة ما استحق منا هذا الكتاب أن نخط فيه حرفا واحدا، ولكن المؤلف الذي يعلمنا التواضع والاتضاع في زمن يمجد النجاح والطموح مهما تكن نتيجتهما، ويعيدنا إلى منبع السكينة في زمن يعصف به القلق، ويحذرنا من تجاوز الحد في وقت يتباهى فيه الإنسان بقوته ويكاد ينسى أن الإنسان ليس إلها، ويغني للوداعة والمحبة والسلام حيث يزداد ضجيج السلاح في كل مكان، مثل هذا المؤلف جدير بإنسان العصر، ولا شك، أن يتوقف لحظة ليستمع إليه ويسأل نفسه إن كان الحق معه. سيجد في كلماته أصداء من حكمة اليونان - وهل علمنا اليونان درسا أغلى من الاعتدال ومعرفة الحد؟ - ومن موعظة الجبل وخطبة الوداع. وسيتذكر معه موكب الصابرين والمتواضعين من أقدم العصور إلى تولستوي في العصر الحديث. وإذا أفلحت هذه الحكمة في أن تنتزع منه الابتسام، فلا شك أنها ستحمل مع الابتسام كثيرا من الصبر والأمل والعزاء.
ملحوظة
لما كنت لا أعرف للأسف حرفا واحدا من اللغة الصينية فقد اعتمدت في هذه الترجمة على ثلاث ترجمات هي كل ما استطعت أن أصل إليه، أوضحت لي مدى الاختلاف حول تفسير النص الذي لا شك في أنه يبلغ في لغته الأصلية حدا كبيرا من الغموض والتعقيد. وسيجد القارئ نص القصائد في أعلى الصفحة، أثبته بعد المقارنة والاحتكام إلى آراء الشراح وتغليب ما اطمأن إليه إحساسي ورجحت قربه من وجدان المؤلف وحكمته وشاعريته. وسيجد القارئ في الهوامش القراءات المختلفة في الترجمات، نصصت عليها في بعضها، وتجنبت أن أثقل عليه بها في البعض الآخر، وسيجد كذلك شرحا لبعض المواضع الغامضة اعتمدت فيه على الثقات من المترجمين والمفسرين، وبالأخص المترجم الألماني «جونتر ديبون» والمترجم الإنجليزي «آرثروالي»، أما الكاتب الصيني «لين يوتانج» الذي نشر الكتاب وأضاف إليه كثيرا من التعليقات وزخرفه بكثير من الطرائف والحكايات التي استمدها من كتابات الحكيم تشو انج تسي - ألمع تلامذة لاو تسي وأشدهم نبوغا وشاعرية - فقد التزمت منه موقف الحذر؛ بعد أن نبه بعض الباحثين إلى ما بين الحكيمين من فروق جوهرية، وإن كنت قد استفدت كثيرا من ترجمته الجميلة المبسطة.
Page inconnue