[8/أ] وقد تولى عمر بن عبد العزيز عمارة مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوليد، وذهب سقفه (¬1)، وإن قيل: إن ذلك امتثال لأمر الوليد، فأقول: إن الوليد وأمثاله من الملوك إنما تصعب مخالفتهم فيما لهم فيه غرض يتعلق بملكهم ونحوه، أما مثل هذا وفيه توفير عليهم في أموالهم فلا تصعب مراجعتهم فيه، فسكوت عمر بن عبد العزيز، وأمثاله، وأكبر منه، مثل: / سعيد بن المسيب، وبقية فقهاء المدينة، وغيرهما دليل لجواز ذلك (¬2)، بل أقول: قد ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بعد ذلك، وأراد أن يزيل ما في جامع بني أمية من الذهب، فقيل له: إنه لا يتحصل منه شيء يقوم بأجرة حكه، فتركه، والصفائح التي على الكعبة يتحصل منها شيء كبير، فلو كان فعلها حراما لأزالها في خلافته، لأنه إمام هدى، فلما سكت عنها، وتركها، وجب القطع بجوازها (¬3)، ومعه جميع الناس الذين يحجون كل عام ويرونها، فالقول بمنعها عجيب جدا، على أنه قل من تعرض لذكر هذا الحكم فيها، أعني الكعبة بخصوصها، ورأيتها أيضا في كتب المالكية، وفي الذخيرة القرافية، وليس في كلامه تصريح بالتحريم، وهذا الذي قلته كله (¬1) في تحلية الكعبة بخصوصها بصفائح الذهب والفضة ونحوها، فليضبط ذلك ولا يتعدى، ولا أمنع من جريان الخلاف في التمويه والزخرفة فيها؛ لأن التمويه يزيل مالية النقدين اللذين هما قيم الأشياء، وتضييق النقدين محذور؛ لتضييقه المعايش، وإغلائه الأسعار، وإفساده المالية، ولا منع من جريان الخلاف أيضا في سائر المساجد في القسمين جميعا؛ التمويه والتحلية، على أن القاضي الحسين جزم / بحل تحلية المسجد بالقناديل من الذهب ونحوها، وأن حكمها حكم الحلي المباح، وهذا أرجح مما قال الرافعي؛ لأنه ليس على تحريمها دليل ، والحرام من الذهب إنما [هو] (¬2) استعمال الذكور له، والأكل والشرب، ونحوهما من الاستعمال من أوانيه، وليس في تحلية المسجد بالقناديل الذهبية ونحوها شيء من ذلك (¬3).
Page 26