Purification du Coran des atteintes

Qadi Abd al-Jabbar d. 415 AH
202

Purification du Coran des atteintes

تنزيه القرآن عن المطاعن

Genres

وربما قيل في قوله تعالى (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) أليس ذلك يدل على أنه أراد منهم ذلك الفسق. وجوابنا أنه تعالى لم يذكر ما أمرهم به ومعلوم أنه لم يأمرهم بالفسق بل أمرهم بخلافه فكأنه قال تعالى (أمرنا مترفيها) بالطاعة (ففسقوا فيها فحق عليها القول) أي الوعيد والهلاك المعجل ولذلك قال بعده (وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح) وقد قرئ (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها) فتأويله أمرناهم بمنعهم عن المعاصي ففسقوا فيها وقد قيل ان معنى قوله (وإذا أردنا أن نهلك قرية) ارادة الطاعة منهم والعبادة دون الهلاك فان ذلك قد يستعمل في اللغة على هذا الوجه فقد يقال إذا أراد العليل الهلاك تعاطى التخليط في المأكل لا أنه في الحقيقة يريد الهلاك وإن أراد التاجر ان تأتيه البضائع من كل جهة فعل كيت وكيت لا أنه يريد ذلك في الحقيقة وما قدمناه أولا أقرب الى المراد والذي يحكي من القراءة الثانية وهو قوله تعالى (أمرنا مترفيها) فالمراد به يقرب مما قدمناه إذ المراد كثرناهم ليطيعوا ففسقوا فيها ولذلك قال بعده (وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح) وكل ذلك ترغيب في الطاعة وتخويف من خلافها وقوله تعالى من بعد (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم) دلالة على انه يمكن العبد من الطاعة والمعصية فاذا أراد العاجلة وما يتصل بالهوى والشهوة لم يمنعه النعم وان كان يزجره عن ذلك وقوي هذا الزجر بقوله (ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا) ثم قال تعالى (ومن أراد الآخرة) يعني الفعل الذي يؤدي الى الثواب في الآخرة (وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا) واذا وصف تعالى سعي العبد بأنه مشكور فقد عظم موقعه ثم بين أنه لأجل المعصية لا يمنع من الانعام المعجل فقال (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) فان عطاء المعجل تفضل وقد تكفل تعالى بهذا التفضل للعاصي وللمطيع وإنما يخص المؤمن بالثواب لأنه مما لا يحسن أن يفعل إلا بمن يستحقه كما لا يحسن منا الاعظام إلا لمن يستحق وان حسن منا الهبات لمن يستحق ولمن لا يستحق. ثم بين أنه فضل بعضهم على بعض وان الفضل العظيم هو الفضل في الآخرة فقال تعالى (انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا) وبين تعالى في قوله (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وقضاؤه لا يكون الا حقا ان المراد بذلك الالزام وبين في هذه الآيات جل جلاله جملة مما إذا تمسك بها المرء عظمت منزلته الى قوله (كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها) فدل بذلك على أنه كاره للسيئات لا كما يقوله كثير من العامة أنه يريد ذلك ويشاؤه كيف يجوز ذلك مع شدة نهيه عنها وزجره وتخويفه ووعيده وذكر تعالى في هذه الآيات من الآداب والاحكام نحو عشرين خصلة إذا تدبرها القارئ عظم نفعه بها وفي جملتها ما يلزم في حق الابوين وما يجب أن يتعاطاه في تدبير النفقات وما ينبغي أن يستعمله في حق الاولاد واليتامى وبسط ذلك يطول. فان قيل كيف يقول تعالى (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك) وذلك مما لا يقع من أحد فكيف نهى عنه قيل له ليس المراد بذلك ما يقتضيه ظاهره بل المراد أن لا يضيق على نفسه وعلى من تلزمه نفقته وهذا من أفصح الكلام في وصف البخل ولذلك قال تعالى بعده (ولا تبسطها كل البسط) منع بذلك من التبذير ثم نبه على ما يقتضي ذلك من الحسرة فيما بعد فقال (فتقعد ملوما محسورا) ثم بين تكفله تعالى بالرزق فقال (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر) يعني بحسب المصالح وبعث النبي صلى الله عليه وسلم على تدبر هذه الآيات بقوله تعالى من بعد (ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة) والمرء يلزمه أن ينظر ويتدبر في وصية الله للصالحين.

[مسألة]

وربما قيل في قوله تعالى (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده) كيف يصح ذلك من الجمادات. وجوابنا أن من تدبر ذلك عرف المراد فانه تعالى قال من قبل (سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا) يعني اتخاذ قوم لآلهة سواه ثم أتبعه بذكر الدلائل على التوحيد فقال (تسبح له السماوات السبع) يعني انها تدل على توحيده وتنزيهه عن الاشباه فالمراد بتسبيح السموات والارض ومن فيهن ما ذكرناه لا أن المراد به القول الذي يسمى تسبيحا لأن دلالة هذه الامور على توحيد الله تعالى أوكد من دلالة القول فهذا معناه وكذلك قوله تعالى (وإن من شيء إلا يسبح بحمده) يجب أن يحمل على ما ذكرناه لأنه لا شيء إلا وله حظ في الدلالة على توحيد الله وكذلك قال تعالى (ولكن لا تفقهون تسبيحهم) لأن ذلك إنما يعرفه من ينظر ويتدبر ومن هذا حاله قليل في الناس.

[مسألة]

Page 229