الكراهة تتعلق بالقبيح وغير القبيح من الحكيم تعالى وكذلك النهي كما جعلنا الأمر منه يتعلق بالواجب وغير الواجب لارتفع الفرق بين الواجب والندب مع ثبوت الفصل بينهما في العقول فإن قيل فما معنى حكايته تعالى عنهما قولهما ربنا ظلمنا أنفسنا وقوله تعالى فتكونا من الظالمين قلنا معناه أنا نقصنا أنفسنا وبخسناها ما كنا نستحقه من الثواب بفعل ما أريد منا من الطاعة وحرمناها الفائدة الجليلة من التعظيم من ذلك الثواب وإن لم نكن مستحقا قبل أن نفعل الطاعة التي نستحق بها فهو في حكم المستحق فيجوز أن يوصف من فوت نفسه بأنه ظالم لها كما يوصف بذلك من فوت نفسه المنافع المستحقة وهذا هو معنى قوله تعالى فتكونا من الظالمين فإن قيل فإذا لم يقع من آدم (ع) على قولكم معصية فلم أخرج من الجنة على سبيل العقوبة وسلب لباسه على هذا الوجهة ولو لا أن الإخراج من الجنة وسلب اللباس على سبيل الجزاء على الذنب لما قال الله تعالى فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما وقال تعالى في موضع آخر فأخرجهما مما كانا فيه قلنا نفس الإخراج من الجنة لا يكون عقابا لأن سلب اللذات والمنافع ليس بعقوبة وإنما العقوبة هي الضرب والألم الواقعان على سبيل الاستخفاف والإهانة وكذلك نزع اللباس وإبداء السوءة ولو كانت هذه الأمور مما يجوز أن تكون عقابا ويجوز أن يكون غيره لصرفناها عن باب العقاب إلى غيره بدلالة أن العقاب لا يجوز أن يستحقه الأنبياء (ع) فإذا فعلنا ذلك فيما يجوز أن يكون واقعا على سبيل العقوبة فهو أولى فيما لا يجوز أن يكون كذلك فإن قيل فما وجه ذلك إن لم تكن عقوبة قلنا لا يمتنع أن يكون الله تعالى علم أن المصلحة تقتضي تبقية آدم (ع) في الجنة وتكليفه فيها متى لم يتناول من الشجرة فمتى تناول منها تغيرت الحال في المصلحة وصار إخراجه عنها وتكليفه في دار
Page 12