82

فقد قام بحمد الله عذر نوح في سؤاله عن رفع الإشكال ، وإجابة ربه تعالى إياه في إعلامه بمآل ولده ، وعتبه ألا يعود لمثل ذلك ، واستعاذ هو بربه ألا يفعل مثل ذلك.

ولله تعالى أن يعتب أنبياءه ، ويؤدبهم ، ويحذرهم ، ويعلمهم ، من غير أن يلحق بهم عتب ولا ذنب.

فهذا هذا ، والجهلة يخبطون عشواء الدجون! (1).

فصل

[في شرح ما جاء في الكتاب من دعائه على قومه وامتناعه الشفاعة الكبرى في الآخرة من أجله]

وأما قصته عليه السلام في دعائه على قومه حين قال : ( رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [نوح : 71 / 26] فأجابه ربه فيهم ، فجاء في الخبر أنه احتمل أذايتهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، كما أخبر تعالى ، وهو يقول مع ذلك ، رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون. فبينا هو ساجد يوما إذ مر به رجل من كفار قومه وعلى عنقه حفيد له ، فقال الجد للحفيد : يا بني ، هذا هو الشيخ الكذاب الذي دعانا إلى عبادة رب لا نعرفه وأوعدنا وعيدا بلا أمد ، فتحفظ منه لئلا يضلك ، فقال الحفيد له : إذا كان على هذه الحالة فلم تركتموه حيا إلى الآن؟ فقال له الجد : وما كنا نصنع به؟

فقال أنزلني حتى ترى ما أصنع به ، فأنزله ، فأخذ صخرة فصبها على رأسه فتلقفها الملك ، وقيل : شج رأسه ، فلما سمع نوح عليه السلام قوله ورأى فعله ، علم إذ ذاك أن الحفيد أطغى من الجد ، فدعا في تلك السجدة فكان ما كان (2) . ثم ندم على دعائه

Page 92