Tanzih Anbiya
تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
Genres
فاخترنا الكلام في هاتين القصتين لكونهما مما يصح معناهما لو صح أثرهما. فلو صح ما قالوه من القولتين أو إحداهما لتصور الخروج عنهما بأحسن مخرج.
فأما قصة الحمل ، فقد يكون يغلب الظن أن جاره ليس يحتاج إليه في ذلك الوقت ، وقد نعلم (1) أنه يمكنه أن يصنع مثل ذلك ، فإن ثمن الحمل يسير ، وليس كل فقير مملقا ، وقد يحتمل أنه نسي أن يواسيه منه ، وليس يلحقه في ذلك عتب ولا ذنب ، على أنه لو ترك إعطاءه قاصدا لم يكن مذنبا ، فإن مؤاساة الجار مندوب إليها ، ومن ترك المندوب فلا ذنب عليه.
وأما قولهم : إنه لم يغير المنكر على الملك الجبار ، فعين هذا القول عذر عنه.
فإن لزوم تغيير المنكر إنما هو مع الإمكان ، قال تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) [الحج : 22 / 41]. فلما علم جبروت (2) الملك خاف على نفسه ، ولم يمكنه تغييره بظاهره لئلا يقع من الجبار منكر أكبر مما رآه في منزله ، فغير بقلبه.
ويحتمل أن يكون ذلك الملك لم يكن من أمته ، ولا أرسل إليه ، فلم يغير عليه ، إذ لا يلزمه ذلك.
كما مر موسى عليه السلام على قوم يعكفون على أصنام لهم فغير على قومه ولم يغير عليهم ، لكونه لم يرسل إليهم ، فإن النبي لا يلزمه التغيير إلا على من أرسل إليه.
فقد خرجت القولتان بحمد الله على أحسن مخرج إذا صحتا.
وأما قوله : ( مسني الشيطان بنصب وعذاب ) [ص : 38 / 41] أي ببلاء وشر.
جاء في خبر يطول ذكره ، فلنذكر منه ما لا بد من ذكره.
ولعل المعنى : «وقد نسلم» أي نسلم جدلا ، واستجرارا للكلام.
Page 134