124

فاخترنا الكلام في هاتين القصتين لكونهما مما يصح معناهما لو صح أثرهما. فلو صح ما قالوه من القولتين أو إحداهما لتصور الخروج عنهما بأحسن مخرج.

فأما قصة الحمل ، فقد يكون يغلب الظن أن جاره ليس يحتاج إليه في ذلك الوقت ، وقد نعلم (1) أنه يمكنه أن يصنع مثل ذلك ، فإن ثمن الحمل يسير ، وليس كل فقير مملقا ، وقد يحتمل أنه نسي أن يواسيه منه ، وليس يلحقه في ذلك عتب ولا ذنب ، على أنه لو ترك إعطاءه قاصدا لم يكن مذنبا ، فإن مؤاساة الجار مندوب إليها ، ومن ترك المندوب فلا ذنب عليه.

وأما قولهم : إنه لم يغير المنكر على الملك الجبار ، فعين هذا القول عذر عنه.

فإن لزوم تغيير المنكر إنما هو مع الإمكان ، قال تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) [الحج : 22 / 41]. فلما علم جبروت (2) الملك خاف على نفسه ، ولم يمكنه تغييره بظاهره لئلا يقع من الجبار منكر أكبر مما رآه في منزله ، فغير بقلبه.

ويحتمل أن يكون ذلك الملك لم يكن من أمته ، ولا أرسل إليه ، فلم يغير عليه ، إذ لا يلزمه ذلك.

كما مر موسى عليه السلام على قوم يعكفون على أصنام لهم فغير على قومه ولم يغير عليهم ، لكونه لم يرسل إليهم ، فإن النبي لا يلزمه التغيير إلا على من أرسل إليه.

فقد خرجت القولتان بحمد الله على أحسن مخرج إذا صحتا.

وأما قوله : ( مسني الشيطان بنصب وعذاب ) [ص : 38 / 41] أي ببلاء وشر.

جاء في خبر يطول ذكره ، فلنذكر منه ما لا بد من ذكره.

ولعل المعنى : «وقد نسلم» أي نسلم جدلا ، واستجرارا للكلام.

Page 134