قائما بالقسط } [ آل عمران ] فانظر كيف بدأ سبحانه وتعالى بنفسه ، وثنى بالملائكة ، وثلث بأهل العلم ، وناهيك بهذا شرفا وفضلا . ( قال النبي صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه ) واسمه عبد الله وكان صاحب سير رسول الله صلى الله عليه وسلم ووساده ونعليه وطهوره في السفر ، وكان خفيف اللحم قصيرا جدا نحو ذراع ، شديد الأدمة ، وكان من أجود الناس ثوبا وأطيب الناس ريحا ، وكان دقيق الساقين ، أخذ يجتني سواكا من الأراك ، فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لم تضحكون ؟ ) فقالوا : يا رسول الله من دقة ساقيه فقال : ( والذي نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أحد ) وكان هو كثير الولوج عليه صلى الله عليه وسلم ويمشي معه ، وأمامه بالعصا ويستره إذا اغتسل ويوقظه إذا نام ويلبسه نعليه إذا قام فإذا جلس أدخلهما في ذراعيه ( يا ابن مسعود جلوسك ساعة ) أي من الزمان ليلا كان أو نهارا ( في مجلس العلم ) وفي لفظ حلقة العالم ( لا تمس ) فتح الميم ( قلما ولا تكتب حرفا خير لك من عتق ) أي إعتاق ( ألف رقبة ) أي عبدا أو أمة ( ونظرك إلى وجه العالم ) أي بنظر المحبة خير لك من ألف فرس تصدقت بها في سبيل الله ) أي في جهاد الكفار لإعلاء دين الله تعالى ( وسلامك على العالم خير لك من عبادة ألف سنة ) كذا ذكره الحافظ المنذري في الدرة اليتيمة ، وعن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله يقول : ( من مشى إلى حلقة عالم كان له بكل خطوة مائة حسنة ، فإذا جلس عنده واستمع ما يقول كان له بكل كلمة حسنة ) كذا ذكره النووي في رياض الصالحين . ( وقال صلى الله عليه وسلم : فقيه ) أي عالم بعلم الشريعة ( واحد متورع ) أي متكلف بترك المحارم فهو المبتدىء في ذلك ( أشد على الشيطان من ألف عابد مجتهد ) أي في العبادة ( جاهل ) أي بما يطرأ عليها ( ورع ) أي تارك للمحارم ، فهو المنتهي في الكف عن المحارم ، وذلك لأن الشيطان كلما فتح بابا على الناس من الأهواء وزين الشهوات في قلوبهم بين الفقيه العارف مكايده ، فيسد ذلك الباب ويجعله خائبا خاسرا بخلاف العابد ، فإنه ربما يشتغل بالعبادة وهو في حبائل الشيطان ولا يدري ، أفاد ذلك العزيزي نقلا عن الطيبي ، وفي رواية الترمذي وابن ماجه عن ابن عباس : فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد . ( وقال صلى الله عليه وسلم : فضل العالم ) أي العامل بعلمه ( على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ) المراد بالفضل كثرة الثواب الشامل لما يعطيه الله للعبد في الآخرة من درجات الجنة ولذاتها ومآكلها ومشاربها ومناكحها ، وما يعطيه الله تعالى للعبد من مقامات القرب ولذة النظر إليه ، وسماع كلامه رواه أبو نعيم عن معاذ بن جبل . وفي رواية للحارث بن أبي أسامة عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وسلم : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي ) وفي رواية للترمذي عن أبي أمامة : ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف النبي إلى أدنى شرف الصحابة . قال الغزالي : فانظر كيف جعل العلم مقارنا لدرجة النبوة وكيف حط رتبة العمل المجرد عن العلم ، وإن كان العابد لا يخلو عن علم بالعبادة التي يواظب عليها ، ولولاه لم تكن عبادة ( وقال صلى الله عليه وسلم : من انتقل ) أي تحول ماشيا أو راكبا من محل إلى محل آخر ( ليتعلم علما ) من العلوم الشرعية ( غفر له ) أي ما تقدم من ذنبه الصغائر ( قبل أن يخطو ) أي خطوة من موضعه إذا أراد بذلك وجه الله تعالى رواه الشيرازي عن عائشة ( وقال صلى الله عليه وسلم أكرموا العلماء ) أي بعلوم الشرع العاملين بأن تعاملوهم بالإجلال والإحسان إليهم بالقول والفعل . ( فإنهم عند الله كرماء ) أي مختارون ( مكرمون ) أي عند الملائكة . وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله يقول : ( إذا تحدث العالم في مجلسه بالعلم ولم يدخله هزل ولا لغو ، خلق الله تعالى من كل كلمة طلعت من فمه ملكا يستغفر الله له ولسامعه إلى يوم القيامة فإذا انصرفوا مغفورين لهم ) ثم قال : ( هم القوم لا يشقى بهم جليسهم ) . ( وقال صلى الله عليه وسلم : من نظر إلى وجه العالم نظرة ) أي واحدة ( ففرح بها ) أي بتلك النظرة ( خلق الله تعالى من تلك النظرة ملكا يستغفر ) أي ذلك الملك ( له ) أي الناظر ( إلى يوم القيامة ) وكان علي بن أبي طالب يقول : النظر إلى وجه العالم عبادة ونور في النظر ونور في القلب ، فإذا جلس العالم للعلم كان له بكل مسألة قصر في الجنة ، وللعامل بها مثل ذلك كذا في رياض الصالحين ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من أكرم عالما فقد أكرمني ) أي لأنه حبيبي ( ومن أكرمني فقد أكرم الله ) أي لأني حبيبه ( ومن أكرم الله فمأواه الجنة ) أي لأنها محال سكنى أحباء الله تعالى وقال صلى الله عليه وسلم : ( أكرموا العلماء فإنهم ورثة الأنبياء ، فمن أكرمهم فقد أكرم الله ورسوله ) رواه الخطيب البغدادي عن جابر ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم : نوم العالم أفضل من عبادة الجاهل ) أي نوم العالم الذي يراعي آداب العلم أفضل من عبادة الجاهل الذي لا يسلم آداب العبادة ، وفي رواية لأبي نعيم عن سلمان بإسناد ضعيف نوم على علم خير من صلاة على جهل ، أي لأنه قد يظن المبطل مصححا والممنوع جائزا كما قال ضرار بن الأزور الصحابي من عبد الله بجهل كان ما يفسد أكثر مما يصلح . وكما قال واثلة بن الأسقع : المتعبد بغير فقه كحمار الطاحون . ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من تعلم بابا من العلم يعمل به أو لم يعمل به كان أفضل من أن يصلي ألف ركعة تطوعا ) وهذا يدل على أن العلم أشرف جوهرا من العبادة ، ولكن لا بد للعبد من العبادة مع العلم ، وإلا كان علمه هباء منثورا كما روي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ما من عالم لا يعمل بعلمه إلا نزع الله روحه على غير الشهادة ، وناداه مناد من السماء يا فاجر خسرت الدنيا والآخرة ) وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن العالم إذا لم يعمل بعلمه لعنه العلم من جوفه ، ويلعنه كل شيء طلعت عليه الشمس ، وتكتب الحفظة كل يوم ختما على صحيفته هذا عبد آيس من رحمة الله يا عبد الله يا مضيع حقوق سيده ، يا من لا يعمل بعلمه عليك لعنة الله ، فإذا مات نزع الله روحه على غير الشهادة ، ويحرم الموت على الإيمان ) ( وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من زار عالما فكأنما زارني ، ومن صافح عالما فكأنما صافحني ، ومن جالس عالما فكأنما جالسني في الدنيا ، ومن جالسني في الدنيا أجلسته معي يوم القيامة ) وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من زار عالما فقد زارني ، ومن زارني وجبت له شفاعتي ، وكان له بكل خطوة أجر شهيد ) وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( من زار عالما ضمنت له على الله الجنة ) وعن علي بن أبي طالب أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من زار عالما أي في قبره ثم قرأ عنده آية من كتاب الله أعطاه الله تعالى بعدد خطواته قصورا في الجنة وكان له بكل حرف قرأه على قبره قصر في الجنة من ذهب ) ، كذا في رياض الصالحين . |
Page 9