والرواة على خلاف هذا القول: إنما الفِزْر من المعزى، وبذلك لُقب سعد بن زيد مناة لما أنهب معزاه بعكاظ الفزر كأنه لقب بها؛ وبه جر المثل " حتى تجتمع معزى الفزر " وقال الحنفي:
وإنَّ أبانا كان حَلَّ ببلدةٍ ... سوىً بين قيسٍ قيس عيلان والفِزرِ
٧ - وقال أبو زياد وقد ذكر الطلح: ويسمى واديه الذي يكثر فيه الغول، فيقال: غول من طلح وغويل الصغير، وقال الشاعر في الطلح:
لشُعَب الطلح هصورٌ هائضُ ... من حيث يَعتشّ الغراب البائضُ
وقال في الغول وجمعها الغلان:
وبُدّلت غُلان الشَّريف من الغضا ... ولاقيتُ بعد الأصدقاءِ الأعاديا
فجاء بالغلان جمع غول، وإنما الغلان جمع غال، يقال: غالّ وغُلاّن وسال وسلاّن، والسَّال قريب من الغال.
٨ - وقال أبو زياد: وقد يسمي العشرق بعض العرب الفنا، وإذا سقطت حبة العشرق في الأرض ويبست احمرت حتى تكون كأنها عُهنة حمراء، فمن أجل ذلك يقول زهير: كأنَّ دُقاق العِهن في كلِّ منزلٍ نَزَلْنَ به حَبُّ الفنا لم يُحطّمِ والرواة على خلاف هذا القول.
قال أبو زيد وأبو عبيدة وغيرهما: الفنا حمل عنب الثعلب.
وسألت أبا رياش ﵀ عن حب الفنا في بيت زهير هذا فقال: حبّ الفنا منه أحمر وأصفر وغير ذلك، ولذلك يشبه به العهن، لأن العهن أيضا مختلف لونه، على ذلك قول امرفي القيس:
وغيثٍ كألوان الفنا قد هَبطتُهُ ... تَعاورَ فيه كلُّ أوطفَ حنّانِ
وقال أبو حنيفة في كتاب النبات: قال غير واحد من الرواة: الفنا عنب الثعلب وكل احتج ببيت زهير: كان دقاق العهن في كل منزل: ثم ذكر قول أبي زياد الذي قدمناه.
ثم قال: وحبُّ عنب الثعلب ليس بأحمر، هو إلى الصفرة. وفيه أيضا نقط سود، ومنه ما هو أسود بأسره.
وهذا القول من أبي حنيفة مقارب لما قدمناه عن أبي رياش ﵀ وكل مخالف لقول أبي زياد. وقد قال عدي بن زيد فوافق امرأ القيس:
وعلى الأحداج ألوان الفنا ... وخزامى الروض يعلوه الزَّهَرْ
فهذا يدل على اختلاف ألوانه كما قدمناه.
٩ - وقال أبو زياد: من العشب: الصفراء، وهي تسطّح على الأرض وكأن ورقها ورق هذا الخس، وزهرتها صفراء، وهي تأكلها الإبل أكلا شديدًا. وقال أبو يوسف: " الصفراء تنبت في السهل وفي الرمل وورقها مثل ورق الجرجير وثمرتها صفراء وهي ذات شعب فتستقل عن الأرض " وهذه صفة الصفراء، وهي مخالفة لما قال أبو زياد من جهتين: إحداهما قوله: تسطّح على الأرض، والأخرى تشبيه ورقها بورق الخسق، وورق الخسّ مستو أملس، وفي ورق الصفراء تقريض كتقريض ورق الجرجير، كما قال يعقوب ﵀.
١٠ - وأنشد أبو زياد لرجل يرجز بركيّة له:
أحمى لها من برقتي مكتِّلِ ... والرِّمث من بطن الحريم الهيكلِ
ضرب رياح قائمًا بالمعْوَلِ ... بذي شباة من قُساس مفصلِ
في مثل ساقِ الحبشيّ الأعضلِ
ثم قال في تفسيره: ومعوله الذي ضرب له برْطِيل مطول: حجر من قساس وقُساس: جبل، وذلك أنهم يأخذون البرطيل الذي كأنه معول فيأسرون عليه النصاب الذي يكون في المعول القدّ، والقد رطب ثم يضعونه في الشمس ثم يحفرون به كأنه معول.
وقال: هذا النِّصاب مثل ساق الحبشي، والعضل: التواء. وهذا الذي قاله فاسد. ولا يمكن أحد حفر بئر بحجر ولو كانت أرضها من عجين، وقساس: جبل كما ذكر إلاّ أنه معدن حديد، وإنما أراد الراجز: بري من حديد قساس، والشَّباة: الحدّ، وأنشدونا عن الأصمعي وغيره في صفة معول:
أخضرُ من مَعدِن ذي قُساسِ ... كأنّه في الحِيد ذي الأضراسِ
يرمي به في البلد الدَّهاسِ
فقال: من معدن ذي قساس كما قلنا. وقد قال أبو طالب عبد مناف بن عبد المطلب:
ولمّا تبنْ منا ومنكم سواعدٌ ... وأيدٍ أُترت بالقساسية الشُّهْبِ
أي، قطعت بالسيوف التي عملت من معدن ذي قساس، وأنشد أبو رياش:
بها والنيّ عنها مُعْتَرقْسيفٌ قُساسيٌّ من الغِمد اندلقْ وأنشد أبو زياد:
إذا استُعنتَ فاستعنْ بحدِّ ... ولا تكنْ مثلَ بليلِ القَدِّ
وإنما الرواية:
إذا استُعنتَ فأعنْ بحدّ
1 / 3