قال ابن دريد دُومة الجَندل مجتمعة ومستدارة كما تدوم الدوامة أي تستدير، ويقال: دوّمت الخمر شاربها تدويمًا إذا أصابه عليها الدوام وهو كالدُّوار، قال علقمة بن عبدة:
تشفي الصُّداع ولا يؤذيك صالبُها ... ولا يخالطها في الرأس تدويمُ
٣٧ - وكان أبو عمرو والأصمعي يعيبان رؤبة في قوله في وصف بعير:
عن دوسريٍّ بَتِعَ مُلملمهْ ... في جسم خَدْلٍ صلهبيّ عَمَمهْ
ويقولان: طول العنق هجنة، والصّلهب: الطويل، والعمم: التام. وأراد رؤبة أنه طويل.
وقولهما: طول العنق هجنة ردٌّ على كلام العرب المأثور وشعرهم المشهور لا على رؤبة وحده، وهذا سبيل من ركبه ضُلّل ومن نصَره جُهّل. وقد جاء في كلام لابن تِقْن: " أبين الإبل عَنَقًا أطولها عُنُقًا "، وأنشد ابن الأعرابي:
كأن أعناقَ الجِمال البُزُل ... من آخر الليل جُذوع النَّخْلِ
وقال الراجز:
كأنَّ جذعًا خارجًا من صوره ... بين مُقذّيهِ إلى سِنّورهِ
السنّور: العظم الشاخص من العنق مما يلي الكاهل، وقال ذو الرمة:
إذا عُجْتَ منه لجَّ وهمٌ مُشرَّفٌ ... طويل الجران أهدل الشِّدق سَرْطُم
وقال آخر في صفة ناقة:
فهي قوداء نُفّجت عضداها ... عن زحاليق صَفْصَفٍ ذي دحاضِ
والقوداء: الطويلة، وقال المُسيّب بن عَلَس:
وكأنّ غاربها رباوةُ مَخْرمٍ ... وتَمُدُّ ثِنيَ جديلها بشِراعِ
أراد بالشراع الدّقل، كان الشراع منوطًا به، ومثله قول أبي النجم: كأنّ أهدامَ النسيل المُنْسَلِ على يديها والشراع الأطولِ أراد بقايا الوبر على يديها وعلى عنقها، فسمى العنق شراعًا، وإنما يريد الدّقل ولم يرضَ يُشبّهه بدقل حتى قال: الأطول، وقال طرفة:
وأتلَع نهّاضٌ إذا صَعَّدتْ به ... كسُكّان بُوصيِّ بدجلةَ مُصْعِدِ
البوصيّ: السفينة، ورواه أبو عبيدة: كسكان نُوتيٍّ، وهو الملاّح فشبه عُنُقها بسكان سفينة من سفن دجلة، وربما كان أطول من الدقل، وشرّ أحواله أن يكون بطول الدّقل، وقال الراجز يصف فحل إبله:
يتبعها عَدَبّسٌ حرائضُ ... كشعب الطلح هصورٌ هائضُ
من حيث يعتشُّ الغراب البائضُ
والغراب لا يتخذ عشه إلا في قمة نخلة سَحوق، أو على شجرة عالية، ولولا طول عنقه لم يبلغ عُشَّ الغراب.
وقال أبو زياد في تفسير هذا الرجز: أراد طول عنقه.
ومثله:
تقطع أعناق التنوّط بالضحى ... ويغرس في الظلماء أفعى الأجارعِ
يقول: هذه الإبل تساور فروع الشجر حتى تبلغ موضع التعليق للتنوّط، وقال ابن مقبل:
إذا غَشِيتْ جَرًّا بليلٍ تَفَرّعتْ ... عِشاشُ الغُراب كالهضاب توانيا
فلم يقنع لها بأن تتناول فروع العشاش في شجر الجرّ - وهو سفح الجبل - حتى جعلها تثني أعناقها لذلك. وقال الراجز:
تبادر الحوض إذا الحوض شُغِلْ ... بكل شعشاع صُهابيّ هَدِلْ
ومنكباها خَلْفَ أوراك الإِبلْ
وقال أبو زياد - وكان أعلم من أبي عمرو والأصمعي بأمور الإبل -: وإذا أردت أن تأخذ راحلة إما ناقة، وإما جملا، فأتيت سوقًا من الأسواق - ولا أبالي أن تكون أضاحٍ - فإذا اجتمعت الأجلاب فانظر بعينك، فإذا رأيت ناقة أو جملًا من أعظم ما ترى وأطوله نظرت إليه كأنه يستأنسُ وراء الأجلاب - والاستئناس: النظر - فادنُ منه على بركة الله فتصفّحه. وذكر كلامًا يطول ذكره.
ثم قال: ورأيته طويل العنق أسطعَ - والأسطعُ: الطويل العنق المرتفع الرأس في السماء - ثم ذكر أيضا كلامًا طويلًا ثم قال: فاشتره على بركة الله.
فلو كان طول العنق هُجْنة لم يُوص أبو زباد بالتماسه، ثم لم يَرْضَ له بطول العنق حتى جعله أسطع، والأسطع: المشبّه بالسّطاع وهو أطول عُمُد الخيمة، وهذا كقول الفرزدق:
كأنّ أراقمًا عَلِقتْ بُراها ... مُعلّقةً إلى عمد الرَّخامِ
شبّه أزمّتها بالحيات وأعناقها بعمد الرخام طولًا وإملاسًا. وقال أبو النجم يصف ناقة:
ترد منها قسوةَ الجرانْ ... مُوّصلان واحد باثنانْ
من أدَم يجمعه الزرّانْ
يقول؛ ترد منها صلابة عنقها أزمة قد وصلت لطول عنقها، هذا كقول كعب بن زهير:
1 / 14