197

Tanbih Ghafilin

تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين للسمرقندي

Enquêteur

يوسف علي بديوي

Maison d'édition

دار ابن كثير

Numéro d'édition

الثالثة

Année de publication

١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م

Lieu d'édition

دمشق - بيروت

رَبَّهُ، وَسَاعَةٌ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٌ يَأْتِي فِيهَا أَهْلَ الْعِلْمِ الَّذِي يُبَصِّرُونَهُ بِأَمْرِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَيَنْصَحُونَهُ.
وَسَاعَةٌ يُخَلِّي بَيْنَ نَفْسِهِ وَلَذَّاتِهَا فِيمَا يَحِلُّ وَيَجْمُلُ.
وَقَالَ: «يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَنْظُرَ فِي شَأْنِهِ وَيَعْرِفَ أَهْلَ زَمَانِهِ وَيَحْفَظَ فَرْجَهُ وَلِسَانَهُ» .
وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ دَخَلَ عَلَى دَاوُدَ النَّبِيِّ ﷺ، وَكَانَ دَاوُدُ يَسْرُدُ الدِّرْعَ، فَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ مِمَّا يَرَى فَأَرَادَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَمَنَعَتْهُ حِكْمَتُهُ، فَأَمْسَكَ نَفْسَهُ وَلَمْ يَسْأَلْهُ.
فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ دَاوُدُ ﵇ فَلَبِسَ الدِّرْعَ ثُمَّ قَالَ: نِعْمَ الدِّرْعُ لِلْحَرْبِ، وَنِعْمَ عَامِلُهُ، فَقَالَ لُقْمَانُ: الصَّمْتُ حِكْمَةٌ.
وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ قَالَ الْقَائِلُ:
الْعِلْمُ زَيْنٌ وَالسُّكُوتُ سَلَامَةٌ ... فَإِذَا نَطَقْتَ فَلَا تَكُنْ مِكْثَارًا
مَا إِنْ نَدِمْتُ عَلَى سُكُوتِي مَرَّةَ ... وَلَقَدْ نَدِمْتُ عَلَى الْكَلَامِ مِرَارًا
وَفِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ سَنَةً وَيُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَهُ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ لَبِسَهُ وَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الدِّرْعَ لِلْحَرْبِ فَقَالَ لُقْمَانُ الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ هَذَا مِنْ كِتَابِ التَّنْبِيهِ وَأَمَّا مَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَبْيَاتِ فَلَيْسَتْ مِنَ الْكِتَابِ قَالَ بَعْضُهُمْ:
يَمُوتُ الْفَتَى مِنْ عَثْرَةٍ بِلِسَانِهِ ... وَلَيْسَ يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْ عَثْرَةِ الرِّجْلِ
وَقَالَ آخَرُ:
لَا تَنْطِقَنَّ بِمَا كَرِهْتَ فَرُبَّمَا ... نَطَقَ اللِّسَانُ بِحَادِثٍ فَيَكُونُ
وَقَالَ حُمَيْدُ بْنُ عَبَّاسٍ
لَعَمْرُكَ مَا شَيْءٌ عَلِمْتُ مَكَانَهُ ... أَحَقُّ بِسَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ مُذَلَّلِ
عَلَى فِيكَ مِمَّا لَيْسَ يَعْنِيكَ شَأْنُهُ ... بِقُفْلٍ وَثَيِقٍ حَيْثُ كُنْتَ فَاقْفِلِ
فَرُبَّ كَلَامٍ قَدْ جَرَى مِنْ مُمَازِحٍ ... فَسَاقَ إِلَيْهِ سَهْمَ حَتْفٍ مُعَجَّلِ
وَلَلصَّمْتُ خَيْرٌ مِنْ كَلَامِ مُمَازِحٍ ... فَكُنْ صَامِتًا تَسْلَمْ وَإِنْ قُلْتَ فَاعْدِلِ
وَلَا تَكُ فِي جَنْبِ الْأَخِلَّاءِ مُفْرِطًا ... وَإِنْ كُنْتَ أَبْغَضْتَ الْبَغِيضَ فَأَجْمِلِ
فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَتَى أَنْتَ مُبْغِضٌ ... حَبِيبَكَ أَوْ تَهْوَى بَغِيضَكَ فاعقِلِ
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: فِي الصَّمْتِ سَبَعَةُ آلَافِ خَبَرٍ، وَقَدِ اجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فِي سَبْعِ كَلِمَاتٍ، فِي كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا أَلْفٌ.
أَوَّلُهَا: أَنَّ الصَّمْتَ عِبَادَةٌ مِنْ غَيْرِ عَنَاءٍ.
وَالثَّانِي: زِينَةٌ مِنْ غَيْرِ حُلِيٍّ.
وَالثَّالِثُ: هَيْبَةٌ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ.
وَالرَّابِعُ: حِصْنٌ مِنْ غَيْرِ حَائِطٍ.
وَالْخَامِسُ: الِاسْتِغْنَاءُ عَنِ الِاعْتِذَارِ إِلَى أَحَدٍ.
وَالسَّادِسُ: رَاحَةُ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ.
وَالسَّابِعُ: سَتْرًا لِعُيُوبِهِ.
وَيُقَالُ الصَّمْتُ زَيْنٌ لِلْعَالِمِ وَسَتْرٌ لِلْجَاهِلِ.
قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إِنَّ جَسَدَ ابْنَ آدَمَ ثَلَاثَةُ أَجْزَاءٍ: فَجُزْءٌ مِنْهَا قَلْبُهُ، وَالثَّانِي

1 / 217