[مقدمة المؤلف]:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حقَّ حمده، وصلاته على محمد خيرِ خلقه، وعلى آله وصحبه.
هذا كتابٌ مختصرٌ في أصولِ مذهب الشافعيِّ ﵁، إذا قَرَأَهُ المبتدي وتصوَّرَه تنبَّه به على أكثر المسائل، وإذا نظر فيه المنتهي تذكَّر به جميع الحوادث إن شاء الله تعالى، وبه التوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل، وإياه أسأل أن ينفع به، إنه قريب مجيب.
1 / 11
كتاب الطهارة:
باب المياه:
قال الله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١).
ولا يجوز رفع حدث ولا إزالة نجس إلا بالماء المطلق، وهو ما نزل من السماء أو نبع من الأرض على أي صفةٍ كان من أصل الخلقة.
وتُكره الطهارة بماء قُصِد إلى تشميسه، وإذا تغيّر الماء بمخالطة طاهرٍ يستغني الماء عنه -كالزعفران، والأُشنان (٢) - لم تجز الطهارة به، وإن تغيّر بما (٣) لا يختلط به -كالدهن، والعود- جازت الطهارة به في أحد القولين. وإن وقع في ماء دون القلتين نجاسة لا يدركها الطرْف لم تنجِّسْه، وقيل: تنجِّسه، وقيل: فيه قولان، وإن كان مما يدركها الطرْف؛ فإن كانت ميتة لا نفس لها سائلة لم تنجِّسه في أحد القولين، وهو الأصلح للناس، وتنجِّسه في الآخر، وهو القياس. وإن كان غير ذلك من النجاسات نجّسه، وإن كان الماء قلتين ولم يتغير فهو طاهر. وإن تغيّر فهو نجس، وإن زال التغير بنفسه أو بماء طهُر، وإن زال بالتراب ففيه قولان: أصحهما: أنه يطهر. وقال في القديم: إن كان الماء جاريًا لم ينجس إلا بالتغير. وما تطهر به من حدث فهو طاهر غير مطهر في أظهر القولين، فإن بلغ قلتين جازت الطهارة به، وقيل: لا تجوز.
_________
(١) الفرقان: ٤٨.
(٢) بالضم والكسر: من الحمض، معروف، الذي نغسل به الأيدي، والضم أعلى. انظر: لسان العرب ١٣/ ١٨.
(٣) في النسخة المطبوعة: (بماء). والمثبت من كفاية النبيه لابن الرفعة. [معده للشاملة].
1 / 13
باب الآنية:
تجوز الطهارة من كل إناء طاهر إلا ما اتُخِّذَ من ذهب أو فضة؛ فإنه يحرم استعماله في الطهارة وغيرها، فإن تطهر منه صحت طهارته. وهل يجوز اتخاذه؟ فيه وجهان، وما اتخذ من بلور أو ياقوت ففيه قولان: أظهرهما: أنه لا يحرم. وما ضُبب بالفضة إن كان قليلا للحاجة لم يكره، وإن كان للزينة كره، وإن كان كثيًرا للحاجة كُره، وإن كان للزينة حرُم. وقيل: إن كان في موضع الشرب حرم، وإن كان في غيره لم يحرم. وقيل: لا يحرم بحال. ويستحب أن تحمر الآنية، فإن وقع في بعضها نجاسة واشتبه عليه تحرى وتوضأ بالطاهر على الأغلب عنده. وقيل: إن كان معه ماء يتيقن طهارته لم يتحر، وإن اشتبه ذلك على الأعمى ففيه قولان: أحدهما: يتحرى. والثاني: لا يتحرى. ومن اشتبه عليه ماء وبول أراقهما، وتيمم.
باب السواك:
السواك سنة عند القيام إلى الصلاة، وعند كل حالٍ يتغير فيها الفم من أزم (١) وغيره. ويكره للصائم بعد الزوال. ويستحب أن يستاك بعود من أراك. وأن يستاك بيابس قد نُدِّي بالماء، والمستحب أن يستاك عرضا، ويدهن غِبًّا (٢)، ويكتحل وترًا، ويقلم الظفر، وينتف الإبط، ويحلق العانة، ويقص الشارب، ويُكره القزع (٣). ويجب الختان.
_________
(١) الأزم: هو الصمت، والمراد: الصمت الطويل. لسان العرب: ١٢/ ١٨.
(٢) غبا: قال الكسائي: "أغببت القوم، وغببت عنهم: من الغب؛ جئتهم يومًا، وتركتهم يومًا، والمراد يوما بعد يوم، وقتا بعد وقت. لسان العرب ١/ ٦٣٦.
(٣) القزع هو: أن يحلق رأس الصبي، ويترك منه مواضع متفرقة غير محلوقة تشبيها بقزع السحاب. انظر: لسان العرب ٨/ ٢٧٢.
1 / 14
باب صفة الوضوء:
إذا أراد الوضوء نوى رفع الحدث، أو الطهارة للصلاة، أو الطهارة لأمر لا يُستباح إلا بالطهارة؛ كمس المصحف وغيره، ويستصحب النية إلى آخر الطهارة. ويُسمي الله تعالى. ويغسل كفيه ثلاثًا، فإن كان قد قام من النوم كُره أن يغمس كفيه في الإناء قبل أن يغسلهما ثلاثا. ثم يتمضمض ويستنشق ثلاثا، يجمع بينهما في أحد القولين بغرفة. وقيل: بثلاث غرفات، ويفصل بينهما في الآخر بغرفتين. وقيل: بست غرفات. ويُبالغ فيهما إلا أن يكون صائمًا فيرفق. ثم يغسل وجهه ثلاثًا، وهو ما بين منابت شعر الرأس ومنتهى اللحيين والذقن طولا، ومن الأذن إلى الأذن عرضًا، فإن كان عليه شعر كثيف لم يلزمه غسل ما تحته، ويستحب أن يخلل الشعور إلا الحاجب والشارب والعنفقة (١) والعذار (٢)؛ فإنه يجب غسل ما تحتها وإن كثف الشعر عليها، وفيما نزل من اللحية عن الذقن قولان: أحدهما: يجب إفاضة الماء على ظاهره. والثاني: لا يجب. ثم يغسل يديه ثلاثًا، ويجب إدخال المرفقين في الغسل، فإن كان أقطع من فوق المرفق استحب له أن يمس الموضع ماء. ثم يمسح رأسه فيبدأ بمقدم رأسه، ثم يذهب باليدين إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه، ويفعل ذلك ثلاثًا. ثم يمسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد ثلاثًا، ويأخذ لصماخيه ماء جديدًا. ثم يغسل رجليه ثلاثًا، ويلزمه إدخال الكعبين في الغسل، وهما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم، ويخلل بين أصابعه، ويستحب إذا فرغ من الوضوء أن يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله"، وأن لا ينفض يديه، ولا ينشف أعضاءه، وأن لا يستعين في وضوئه بأحد، وإن استعان جاز.
_________
(١) العنفقة: ما نبت على الشفة السفلى من الشعر. لسان العرب ١٠/ ٢٧٧.
(٢) العذار والعذاران: جانب اللحية؛ لأن ذلك موضع العذار من الدابة. انظر: لسان العرب ٤/ ٥٥٠.
1 / 15
باب فروض (١) الوضوء، وسننه:
وفروض الوضوء ستة: النية عند غسل الوجه. وغسل الوجه. وغسل اليدين. ومسح القليل من الرأس. وغسل الرجلين. والترتيب على ما ذكرناه. وأضاف إليه في القديم التتابع، فجعله سابعًا.
وسننه عشرة: التسمية. وغسل الكفين. والمضمضة. والاستنشاق. ومسح جميع الرأس. ومسح الأذنين. وتخليل اللحية الكثة. وتخليل أصابع الرجلين. والابتداء باليمنى. والطهارة ثلاثًا ثلاثًا.
باب المسح على الخفين:
ويجوز المسح على الخف في الوضوء للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يومًا وليلة. وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخف، فإن مسح في الحضر ثم سافر، أو مسح في السفر ثم أقام؛ أتم مسح مقيم، وإن شك في وقت المسح أو في انقضاء مدة المسح بنى الأمر على ما يوجب الغسل. ولا يجوز المسح إلا أن يلبس الخف على طهارة كاملة. ولا يجوز إلا على خف ساتر للقدمين يمكن متابعة المشي عليه. وفي المسح على الجرموقين (٢) قولان: أحدهما: يجوز. والثاني: لا يجوز. والسنة أن يمسح أعلى الخف وأسفله؛ فيضع يده اليمنى على موضع الأصابع، واليسرى تحت عقبه، ثم يمر اليمنى إلى ساقه، واليسرى إلى موضع الأصابع، فإن اقتصر على مسح القليل من أعلاه أجزأه، وإن اقتصر على ذلك من أسفله لم يجزئه على ظاهر المذهب، وإن ظهرت الرجل، أو انقضت مدة المسح وهي على طهارة المسح؛ غسل القدمين في أصح القولين، واستأنف الوضوء في الآخر.
_________
(١) في المطبوع (فرض)، وكذا في التي بعدها، والمثبت من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
(٢) الجرموق: الذي يُلبس فوق الخف. انظر: مختار الصحاح ١٠٦.
1 / 16
باب ما ينقض الوضوء:
وهو أربعة: أحدها (١): الخارج من السبيلين؛ نادرًا كان أو معتادًا، فإن انسد المخرج المعتاد وانفتح مخرج دون المعدة انتقض الوضوء بالخارج منه، وإن انفتح فوق المعدة ففيه قولان. وإن لم ينسد المعتاد لم ينتقض الوضوء بالخارج من فوق المعدة، وفيما تحتها وجهان.
والثاني: زوال العقل إلا النوم قاعدًا مفضيا (٢) بمحل الحدث إلى الأرض.
والثالث: أن يقع شيء من بشرته على بشرة امرأة أجنبية، فإن وقع على بشرة ذات رحم محرم ففيه قولان. وفي الملموس قولان.
والرابع: مس فرج الآدمي بباطن الكف، وإذا تيقن الطهارة وشكّ في الحدث بنى على يقين الطهارة. وإن تيقن الحدث وشكّ في الطهارة بنى على يقين الحدث. وإن تيقن الطهارة والحدث وشكّ في السابق منهما نظر فيما كان قبلهما؛ فإن كان حدثًا فهو متطهر، وإن كان طهارة فهو محدث.
ومن أحدث حرُم عليه الصلاة، والطواف، ومسّ المصحف، وحمله.
باب الاستطابة:
إذا اراد قضاء الحاجة؛ فإن كان معه شيء فيه ذكر الله ﷿ نحّاه. ويقدم رجله اليسرى في الدخول، واليمنى في الخروج. ويقول: "اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" (٣). ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض. وينصب رجله اليمنى، ويعتمد على اليسرى. ولا يتكلم. فإذا انقطع البول مسح بيده اليسرى من مجامع العروق إلى رأس الذكر، ثم ينتر ذكره. ويقول إذا فرغ: "غفرانك، الحمد لله الذي أخرج عني الأذى وعافاني". وإن كان في الصحراء أبعد، واستتر عن العيون، وارتاد موضعًا للبول. ولا يبول في ثقب، ولا
_________
(١) في المطبوعة: (أحدهما). [معده للشاملة].
(٢) مفضيًا: قاعدًا قعود غير محكم. انظر: لسان العرب ١٥/ ١٥٨.
(٣) الخبث والخبائث: ذكور الشياطين وإناثها. انظر: اللسان ٢/ ١٤٢.
1 / 17
سرب (١)، ولا تحت الأشجار المثمرة، ولا في قارعة الطريق، ولا في ظل، ولا يستقبل الشمس والقمر، ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها. وإن أراد الاستنجاء بالماء انتقل إلى موضع آخر.
والاستنجاء واجب من البول والغائط، والأفضل أن يكون قبل الوضوء، فإن أخّره إلى ما بعده أجزأه، وإن أخّره إلى ما بعد التميم لم يجزئه. وقيل: يجزئه. والأفضل أن يجمع بين الماء والحجر، فإذا أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل، وإن اقتصر على الحجر أجزأه، وإن انتشر الخارج إلى باطن الألية ففيه قولان: أصحهما: أنه يجزئه الحجر، وإن انتشر البول لم يجزئه إلا الماء. وقيل: فيه قولان: أحدهما: يجوز فيه الحجر ما لم يجاوز موضع القطع. والثاني: لا يجزئه إلا الماء. فإن كان الخارج دمًا أو قيحًا ففيه قولان: أحدهما: لا يجزئه إلا الماء. والثاني: يجزئه الحجر، وإن كان الخارج حصاة لا رطوبة معها لم يجب الاستنجاء منه في أحد القولين، ويجب في الآخر. وإذا استنجى بالحجر لزمه إزالة العين، واستيفاء ثلاث مسحات؛ إما بحجر له ثلاثة أحرف، أو بأحجار ثلاثة. والمستحب أن يمر حجرًا من مقدم الصفحة اليمنى إلى أن يرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يمر الثاني من مقدم الصفحة اليسرى إلى أن يرجع إلى الموضع الذي بدأ منه، ثم يمر الثالث على الصفحتين والمسربة (٢) جميعا. ولا يستنجي بنجس، ولا مطعوم -كالعظم، وجلد المذكى قبل الدباغ-، ولا بما له حرمة، فإن استنجى بشيء من ذلك لم يجزئه، ولا يستنجي بيمينه، فإن فعل ذلك أجزأه.
باب ما يوجب الغسل:
ويجب الغسل على الرجل من شيئين: من خروج المني، ومن إيلاج الحشفة
_________
(١) الثقب هو: الشق المستدير النازل في الأرض. والسرب هو: الشق المستطيل. انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، باب الاستنجاء.
(٢) المسربة: بضم الراء: أعلى حلقة الدبر. انظر: لسان العرب ١/ ٤٦٥.
1 / 18
في الفرج. ويجب على المرأة من خروج المني، ومن إيلاج الحشفة في الفرج، ومن الحيض والنفاس. وقيل: يجب عليها أيضا من خروج الولد. وقيل: لا يجب.
وإن شكّ هل الخارج من ذكره مني أو مذي فقد قيل: يلزمه الوضوء دون الغسل، ويحتمل عندي أنه يلزمه الغسل.
ومن أجنب حرم عليه الصلاة، والطواف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، وحمله، واللبث في المسجد.
باب صفة الغسل:
ومن أراد الغسل نوى الغسل من الجنابة، أو الحيض، أو نوى الغسل لاستباحة ما لا يستباح إلا بالغسل. ويتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يفيض الماء على رأسه، ويخلل أصول شعره، ثم يفيض الماء على سائر جسده، ويدلك ما وصل إليه يده من بدنه، ويفعل ذلك ثلاثًا، فإن كانت امرأة تغتسل من الحيض استحب لها أن تتبع أثر الدم فرصة من المسك (١)، فإن لم تجد فطيبًا غيره، فإن لم تجد فالماء كافٍ، والواجب من ذلك: النية، وإيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة.
وسننه: الوضوء. والدلك. والتكرار.
والمستحب أن لا ينقص الماء في الغسل عن صاعٍ، ولا في الوضوء عن مدٍّ (٢) اقتداء برسول الله ﷺ، وإن نقص عن ذلك وأسبغ (٣) أجزأه.
وإن وجب عليه وضوء وغسل أجزأه الغسل على ظاهر المذهب.
وإن اجتمع على المرأة غسل جنابة وغسل حيض فاغتسلت لأحدهما أجزأها عنهما.
ومن نوى غسل الجمعة لم يجزئه عن الجنابة.
ومن نوى غسل الجنابة لم يجزئه عن الجمعة في أصح القولين.
_________
(١) الفرصة: هي القطعة. وفي الحديث: "خذي فرصة من المسك". انظر: لسان العرب ٧/ ٦٥.
(٢) المُد هو: الحفنة التي هي ملء الكفين، وهو رطل وثلث بغدادي. والصاع تقريبا هو: أربعه أمداد. انظر: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، باب واجبات الغسل.
(٣) أسبغ: من إسباغ الوضوء: المبالغه فيه وإتمامه. لسان العرب ٨/ ٤٣٣.
1 / 19
باب الغسل المسنون:
وهو اثنا عشر غسلا: غسل الجمعة. وغسل العيدين. وغسل الكسوفين. وغسل الاستسقاء. والغسل من غسل الميت. وغسل الكافر إذا أسلم. وغسل المجنون إذا أفاق. والغسل للإحرام. والغسل لدخول مكة. والغسل للوقوف بعرفة. والغسل للرمي. والغسل للطواف.
باب التيمم:
ويجب التيمم عن الأحداث كلها إذا عجز عن استعمال الماء، ولا يجوز التيمم إلا بتراب طاهر له غبار يعلق بالوجه واليدين، فإن خالطه جص (١) أو رمل لم يجز التيمم به.
وإذا أراد التيمم فإنه يُسمي الله ﷿، ويضرب يديه على التراب، ويفرّق أصابعه، وينوي استباحة الصلاة، ويمسح وجهه، ثم يضرب أخرى فيضع بطون أصابع يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمنى، ويمرها على ظهر الكف، فإذا بلغ الكوع (٢) قبض أطراف أصابعه، وجعلها على حرف الذراع، ثم يمرها إلى المرفق، ثم يدير بطن كفه إلى بطن الذراع، ويمره عليه، ويرفع إبهامه، فإذا بلغ الكوع أمرّ إبهام يده اليسرى على إبهام يده اليمنى، ثم يمسح بيده اليمنى يده اليسرى مثل ذلك، ثم يمسح إحدى الراحتين على الأخرى، ويخلل بين أصابعهما.
والواجب من ذلك: النية. ومسح الوجه واليدين بضربتين فصاعد، أو ترتيب اليد على الوجه.
وسننه: التسمية. وتقديم اليمنى على اليسرى.
ولا يجوز التيمم لمكتوبة إلا بعد دخول الوقت وإعواز الماء، أو الخوف من استعماله، فإن أعوزه الماء، أو وجده وهو
_________
(١) الجِص بالكسر والفتح معروف: الذي يطلى به، وهو معرّب، وهو الكلس. ٧/ ١٠ من لسان العرب.
(٢) الكوع: هو طرف الزنذ الذي يلي أصل الإبهام. انظر: لسان العرب ٨/ ٣١٦.
1 / 20
يحتاج إليه للعطش لزمه طلبه فيما قرب منه، فإن بدل له، أو بيع منه بثمن المثل؛ لزمه قبوله. وإن دُلّ على ماء بقربه لزمه قصده ما لم يخش الضرر في نفسه أو ماله، فإن لم يجد وكان على ثقة من وجود الماء في آخر الوقت فالأفضل أن يؤخره، وإن كان على إياس من وجوده فالأفضل أن يقدمه، وإن كان يرجو ففيه قولان: أصحهما: أنّ التقديم أفضل.
وإن وجد بعض ما يكفيه استعمله، ثم يتيمم للباقي في أحد القولين، ويقصر على التيمم في القول الآخر، فإن تيمم وصلى، ثم علم أن في رحله، أو حيث يلزمه طلبه (١)؛ أعاد في ظاهر المذهب.
وإن تيمم ثم رأى الماء قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه، وإن كان بعد الفراغ منها أجزأته صلاته إن كان مسافرًا، ويلزمه الإعادة إن كان حاضرًا، وإن رأى الماء في أثنائها أتمها إن كانت الصلاة مما يسقط فرضها بالتيمم، وتبطل إن لم يسقط فرضها بالتيمم.
وإن خاف من استعمال الماء التلف لمرضٍ تيمم، وصلى، ولا إعادة عليه، وإن خاف الزيادة في المرض ففيه قولان: أصحهما: أنه يتيمم، ولا إعادة عليه.
وإن خاف من شدة البرد تيمم، وصلّى، وأعاد إن كان حاضرًا، وإن كان مسافرًا أعاد في أحد القولين، ولم يعد في الآخر.
وإن كان في بعض بدنه قرح يمنع استعمال الماء غسل الصحيح، وتيمم عن الجريح في الوجه واليدين، وصلّى، ولا إعادة عليه.
ولا يصلي بتيمم واحدٍ أكثر من فريضة وما شاء من النوافل، ومن تيمم للفرض صلّى به النفل، ومن تيمم للنفل لم يصل به الفرض.
ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلّى الفريضة وحدها، وأعاد إذا قدر على أحدهما.
وإذا وضع الكسير الجبائر على غير طهرٍ وخاف من نزعها التلف مسح عليها، وأعاد الصلاة، وإن وضعها على طهر مسح، وصلّى، وفي الإعادة قولان. وهل (٢) يضم إلى المسح التيمم؟ فيه قولان.
باب الحيض:
أقل سن تحيض فيه المرأة: تسع سنين. وأقل الحيض: يوم وليلة. وأكثره:
_________
(١) في المطبوعة: (طلبه ماء). والتصويب من كفاية النبيه لابن الرفعة. [معده للشاملة].
(٢) في المطبوعة: (هل). والتصويب من كفاية النبيه لابن الرفعة. [معده للشاملة].
1 / 21
خمسة عشر يومًا. وغالبه: ست أو سبع. وأقل طهر فاصل بين الحيضتين: خمسة عشر يومًا. ولا حدّ لأكثره، وإن رأت يومًا طهرًا ويومًا دمًا ففيه قولان: أحدهما: تضم الطهر إلى الطهر، والدم إلى الدم. والثاني: لا تضم، بل الجميع حيض.
وفي الدم الذي تراه الحامل قولان: أصحهما: أنه حيض. والثاني: أنه استحاضة. وإذا انقطع دم المرأة لزمانٍ يصح فيه الحيض فهو حيض، وإن عبر الدم الأكثر؛ فإن كانت مميزة -وهي التي ترى في بعض الأيام دمًا أسود، وفي بعضها دمًا أحمر- كان حيضها أيام الدم الأسود. وإن كانت غير مميزة، ولها عادة؛ كان حيضها أيام العادة. وإن لم تكن مميزة، ولا لها عادة -وهي المبتدأة- ففيها قولان: أحدهما: أنها تحيض أقل الحيض. والثاني: تحيض غالب الحيض. وإن كانت لها عادة فنسيت عددها ووقتها ففيها قولان: أحدهما: أنها كالمبتدأة. والثاني -وهو الصحيح-: أنه لا يطؤها الزوج، وتغتسل لكل فريضة، وتصوم شهر رمضان، ثم تصوم شهرًا آخر؛ فيصح لها من ذلك ثمانية وعشرون يومًا، ثم تصوم ستة أيام من ثمانية عشر يومًا؛ ثلاثة في أولها، وثلاثة في آخرها؛ فيصح لها منها ما بقي من الصوم.
وإن كانت ناسية للوقت، ذاكرة للعدد، أو ناسية للعدد، ذاكرة للوقت؛ فكل زمانٍ تيقنَّا فيه حيضها جعلناها فيه حائضًا، وكل زمان تيقنَّا طهرها جعلناها طاهرًا، وكل زمان شككنا فيه جعلناها في الصلاة طاهرًا، وفي الوطء حائضًا، وكل زمان احتمل انقطاع الدم فيه أمرناها بالغسل.
وإذا حاضت المرأة حرُم الاستمتاع بها فيما بين السرة والركبة. وقيل: يحرم الوطء في الفرج وحده. والمذهب الأول.
وحرم عليها الصلاة، وسقط عنها فرضها.
وحرم عليها الصوم، والطواف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، وحمله، والجلوس في المسجد، وقيل: يحرم العبور فيه. وقيل: لا يحرم.
وإذا انقطع الدم ارتفع تحريم الصوم، ويبقى سائر المحرمات إلى أن تغتسل.
وأقل النفاس: مجة. وأكثره: ستون يومًا. وغالبه: أربعون يومًا. وإذا عبر الدم الأكثر فهو كالحيض في الرد إلى التمييز والعادة والأقل والغالب.
وإذا نفست المرأة حرم عليها ما يحرم على الحائض، ويسقط عنها ما يسقط عن الحائض.
وتغسل المستحاضة فرجها، وتعصبه، وتتوضأ
1 / 22
لكل فريضة، ولا تؤخر بعد الطهارة الاشتغال بأسباب الصلاة والدخول فيها، فإن أخرت ودمها يجري استأنفت الطهارة، وإن انقطع دمها في أثناء الصلاة استأنفت الطهارة والصلاة. وقيل: تمضي فيها.
وحكم سلس البول وسلس المذي حكم المستحاضة.
باب إزالة النجاسة:
والنجاسة هي: البول، والغائط، والمذي، والودى. وقيل: ومني غير الآدمي. وقيل: ومني ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي، والدم، والقيح، والقيء، والخمر، والنبيذ، والكلب، والخنزير، وما تولد منهما، أو من أحدهما، والميتة إلا السمك والجراد، والآدمي في أصح القولين، وما لا يؤكل لحمه إذا ذبح، وشعر الميتة، وشعر ما لا يؤكل لحمه إذا انفصل في حال حياته، ولبن ما لا يؤكل لحمه غير الآدمي، والعلقة في أحد الوجهين، ورطوبة فرج المرأة في ظاهر المذهب، وما ينجس بذلك.
ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا شيئان: الخمر؛ فإنها إذا انقلبت بنفسها خلًّا طهرت، وإن خُللت لم تطهر. وجلد الميتة سوى الكلب والخنزير إذا دبغ فإنه يطهر، ويحل بيعه في أحد القولين.
وإذا ولغ الكلب أو الخنزير أو ما تولد منهما في إناء لم يطهر حتى يُغسل سبع مرات إحداهن بالتراب، فإن غسل بدل التراب بالجص والأُشنان ففيه قولان: أصحهما: أنه يطهر، وإن غسل بالماء وحده ففيه وجهان: أحدهما: أنه يطهر. والثاني: لا يطهر.
ويجزئ في بول الغلام الذي لم يطعم النضح، ويجزئ في غسل سائر النجاسات -كالبول، والخمر، وغيرهما- المكاثرة بالماء إلى أن يذهب أثره، والأفضل أن يغسلها ثلاثًا.
وما لا يزول أثره بالغسل -كالدم وغيره إذا غسل وبقي أثره- لم يضره.
وما غسل به النجاسة ولم يتغير فهو طاهر. وقيل: هو نجس. وقيل: إن انفصل وقد طهر المحل فهو طاهر، وإن انفصل ولم (١) يطهر المحل فهو نجس.
_________
(١) في المطبوعة: (لم)، والتصويب من كفاية النبيه لابن الرفعة. [معده للشاملة].
1 / 23
كتاب الصلاة:
ويجب فرض الصلاة على كل بالغ، عاقل، طاهر، مسلم، فأمّا الصبي، ومن زال عقله بجنون أو مرض، والحائض، والنفساء؛ فلا يجب عليهم، ويؤمر الصبي بالصلاة لسبع، ويضرب على تركها لعشر، فإن بلغ في أثناء الصلاة، أو صلى في أول الوقت وبلغ في آخره؛ أجزأه ذلك الفرض، وأما الكافر؛ فإن كان أصليا لم يجب عليه، وإن كان مرتدًّا وجب عليه.
ولا يعذر أحدٌ من أهل فرض الصلاة في تأخيرها عن الوقت إلا نائم، أو ناسٍ، أو معذور بسفر أو مطر؛ فإنه يؤخرها بنية الجمع، أو من أكره على تأخيرها.
ومن امتنع من فعلها جاحدًا لوجوبها كفر، وقُتل بكفره، ومن امتنع غير جاحد حتى خرج الوقت قتل في ظاهر المذهب. وقيل: يقتل بترك الصلاة الرابعة. وقيل: يقتل بترك الصلاة الثانية إلى أن يضيق وقتها.
ويستتاب كما يستتاب المرتد، ثم يُقتل، ويُصلّى عليه، ويدفن في مقابر المسلمين.
باب مواقيت الصلاة:
الصلاة المكتوبة خمس:
الظهر، وأول وقته: إذا زالت الشمس. وآخره: إذا صار ظل كل شيء مثله.
والعصر، وأول وقته: إذا صار ظل كل شيء مثله، وزاد أدنى زيادة. وآخره: إذا صار كل شيء مثليه، ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى الغروب.
والمغرب، وأول وقتها: إذا غابت الشمس، ولا وقت لها إلا وقت واحد في
1 / 25
أظهر القولين، وهو بمقدار ما يتوضأ، ويستر العورة، ويؤذن، ويقيم، وله أن يستديمها إلى أن يغيب الشفق.
والعشاء، ويكره أن يُقال لها: العتمة. وأول وقتها: إذا غاب الشفق الأحمر. وآخره: إذا ذهب ثلث الليل في أحد القولين، ونصفه في الآخر، ثم يذهب الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الفجر الثاني.
والصبح، وأول وقتها: إذا طلع الفجر الثاني. وآخره: إذا أسفر الصبح، ثم يذهب وقت الاختيار، ويبقى وقت الجواز إلى طلوع الشمس.
ومن أدرك من الصلاة ركعة قبل خروج الوقت فقد أدركها، ومن شكّ في دخول الوقت فأخبره ثقة عن علمٍ عمل به، وإن أخبره عن اجتهادٍ لم يقلده، بل يجتهد، ويعمل على الأغلب عنده.
والأفضل تقديم الصلاة في أول الوقت إلا الظهر في الحرّ لمن يمضي إلى الجماعة؛ فإنه يبرد بها، وفي العشاء قولان: أصحهما: أن تقديمها أفضل.
ومن أدرك من وقت الصلاة قدر ما يؤدي فيه الفرض، ثم جُنّ، أو كانت امرأة فحاضت؛ وجب عليهما القضاء.
وإن بلغ صبي، أو أسلم كافر، أو طهرت حائض أو نفساء، أو أفاق مجنون أو مغمى عليه قبل طلوع الشمس بركعة؛ لزمهم الصبح، وإن كان بدون ركعة ففيه قولان. وإن كان ذلك قبل الغروب أو قبل طلوع الفجر بركعة لزمهم العصر والعشاء، وفي الظهر والمغرب قولان: أحدهما: يلزم بما يلزم به العصر والعشاء. والثاني: يلزم بقدر خمس ركعات.
ومن لم يصل حتى فات الوقت وهو من أهل الفرض بعذر أو غير عذر لزمه القضاء، والأولى أن يقضيها مرتبا، إلا أن يخشى فوات الحاضرة؛ فيلزمه البداية بها، والأولى أن يقضيها على الفور، فإن أخّرها جاز. وقيل: إن فاتت بغير عذر لزمه قضاؤها على الفور.
ومن نسي صلاة من الخمس ولم يعرف عينها لزمه أن يصلي الخمس.
باب الأذان:
الأذان والإقامة سنة في الصلوات المكتوبة، وهو أفضل من الإمامة.
1 / 26
وقيل: هو فرض على الكفاية، فإن اتفق أهل بلد على تركه قاتلهم الإمام.
والأذان تسع (١) عشرة كلمة: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمدًا رسول الله، أشهد أنّ محمدًا رسول الله، ثم يرجع فيمد صوته فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمدًا رسول الله، أشهد أنّ محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، فإن كان في أذان الصبح قال بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم مرتين.
والإقامة إحدى عشرة كلمة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أنّ محمدًا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
ويستحب أن يرتل الأذان، ويدرج الإقامة، وتكون الإقامة أخفض صوتًا من الأذان، وأن يؤذن ويقيم على طهارة، ويستقبل القبلة، فإذا بلغ الحيعلة التفت يمينا وشمالا، ولا يستدير (٢)، وأن يؤذن على موضع عالٍ، وأن يجعل إصبعيه في صماخي أذنيه، وأن يكون المؤذن حسن الصوت، وأن لا يقطع الأذان بكلام ولا غيره، وأن يكون من أقرباء مؤذني رسول الله ﷺ، وأن يكون ثقة، وأن يقول بعد الفراغ منه: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمدًا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة، وابعثه المقام المحمود الذي وعدته، يا أرحم الراحمين، ويستحب لمن سمعه أن يقول كما يقول المؤذن إلا في الحيعلة؛ فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول في كلمة الإقامة: أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض.
ولا يجوز الأذان إلا مرتبا، ولا يجوز قبل دخول الوقت إلا الصبح؛ فإنه يؤذن له بعد نصف الليل.
وتقيم المرأة، ولا تؤذن.
ومن فاتته صلوات، أو جمع بين صلاتين؛ أذّن، وأقام للأولى وحدها، وأقام للتي بعدها في أصح الأقوال، وفي القول الثاني: لا يؤذن، ولا يقيم، وفي القول الثالث: أذّن وأقام لكل واحدة (٣) على حدة.
وإذا لم يوجد من يتطوع بالأذان رزق الإمام من يقوم به. وإن استأجر عليه جاز. وقيل: لا يجوز.
_________
(١) كلمة (تسع) ساقطة من المطبوع، والتصويب من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
(٢) في المطبوعة: (ولا يستدبر)، والتصويب من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
(٣) في المطبوعة: (واحد)، [معده للشاملة].
1 / 27
باب ستر العورة:
ويجب ستر العورة عن العيون بما لا يصف (١) البشرة، وهو شرط في صحة الصلاة.
وعورة الرجل: ما بين سرته وركبته. وعورة الحرة: جميع بدنها إلا الوجه والكفين. وعورة الأمة: ما بين السرة والركبة.
والمستحب أن يصلي الرجل في ثوبين: قميص، ورداء، فإن اقتصر على ستر العورة جاز، إلا أن المستحب أن يطرح على عاتقه شيئًا.
ويستحب للمرأة أن تصلي في ثلاثة أثواب: درع، وخمار، وسراويل. ويستحب لها أن تكثف جلبابها.
ومن لا يجد إلا ما يستر بعض العورة سَتَرَ السوأتين، وإن وجد ما يكفي أحدهما (٢) سَتَرَ به القبل. وقيل: يستر به الدبر، وإن بُذل له سترة لزمه قبولها، ومن لم يجد صلّى عريانًا، ولا إعادة عليه، وإن وجد السترة في أثناء الصلاة وهي بقربه ستر، وبنى، وإن كانت بالبعد ستر، واستأنف.
باب طهارة البدن، والثوب، وموضع الصلاة:
واجتناب النجاسات شرط في صحة الصلاة، فإن حمل نجاسة في صلاته، أو لاقاها ببدنه، أو ثيابه؛ لم تصح صلاته. وقال في القديم: إن صلّى ثم رأى في ثوبه نجاسة كانت في الصلاة لم يعلم بها قبل الدخول أجزأته صلاته، وإن أصاب أسفل الخف نجاسة فمسحه على الأرض فصلّى فيه ففيه قولان: أحدهما: يجزئه. والثاني: لا يجزئه.
وإن أصاب الأرض نجاسة فذهب أثرها بالشمس والريح فصلّى عليها ففيه قولان: أحدهما: يجزئه. والثاني: لا يجزئه.
وإن صلّى في مقبرة منبوشة لم تصح صلاته، وإن صلّى في مقبرة غير منبوشة كُرهت، وأجزأه، وإن شكّ في نبشها صحت صلاته. وقيل: لا تصح.
وإن جبر عظمه بعظم نجس، وخاف التلف من نزعه، فصلى فيه؛ أجزأته صلاته.
وإن صلّى وفي ثوبه دم البراغيث، أو اليسير من سائر الدماء، أو سلس البول، أو الاستحاضة؛ جازت صلاته.
وإن كان على ثوبه، أو على بدنه مما لا
_________
(١) في المطبوعة: (لا يصح)، والتصويب من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
(٢) في المطبوعة: (إحداهما)، والتصويب من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
1 / 28
يدركه الطرْف من غير الدماء؛ فقد قيل: يصح. وقيل: لا يصح. وقيل: فيه قولان.
وإن كان على قرحه دمٌ يخاف من غسله صلّى فيه، وأعاد.
وتكره الصلاة في: الحمّام، وقارعة الطريق، وأعطان (١) الإبل. ولا تكره في مراح الغنم.
ولا تحل الصلاة في أرض مغصوبة، ولا ثوب مغصوب، ولا ثوب حرير، فإن صلّى لم يُعد، وإن اشتبه عليه ثوب طاهر وثوب نجس صلّى في الطاهر على الأغلب عنده، وإن خفي عليه موضع النجاسة من الثوب غسله كله.
باب استقبال القبلة:
واستقبال القبلة شرط في صحة الصلاة، إلا في شدة الخوف، وفي النافلة في السفر؛ فإنه يصليها حيث توجّه، فإن كان ماشيًا، أو على دابة يمكنه توجيهها إلى القبلة؛ لم يجز حتى يستقبل القبلة في الإحرام والركوع والسجود.
والفرض في القبلة إصابة العين، فمن قرب منها لزمه ذلك بيقين، ومن بعد منها لزمه بالظن في أحد القولين. وفي القول الآخر: الفرض لمن بعُد الجهة، ومن صلّى في الكعبة، أو على ظهرها وبين يديه سترة متصلة؛ جازت صلاته، ومن غاب عنها فأخبره ثقة عن علمٍ صلّى بقوله، ولم يجتهد، وكذلك إن رأى محاريبَ المسلمين في بلد صلّى إليها، ولم يجتهد، وإن كان في بريّة واشتبهت عليه القبلة اجتهد في طلبها بالدلائل، فإن لم يعرف الدلائل، أو كان أعمى؛ قلّد بصيرًا يعرفه، وإن لم يجد من يقلّده صلّى على حسب حاله، وأعاد، ومن صلّى بالاجتهاد أعاد الاجتهاد للصلاة الأخرى، فإن تغيّر اجتهاده عمل بالاجتهاد الثاني فيما يستقبل، ولا يعيد ما صلّى بالاجتهاد الأول، وإن تيقن الخطأ لزمه الإعادة في أصح القولين.
_________
(١) الأعطان: جمع عطن الإبل؛ كالوطن للناس، وقد غلب على مبركها حول الحوض. والمراد هنا: المكان الذي تُنحّى إليه الإبل بعد ما رويت لتشرب غيرها. لسان العرب ١٣/ ٢٨٦. والمقصود: ما تنحى إليه إذا شربت ليشرب غيرها. انظر: نهاية المحتاج شرح المنهاج، باب ما يكره الالتفات في الصلاة، وباقي المكروهات.
1 / 29
باب صفة الصلاة:
إذا أراد الصلاة قام إليها بعد فراغ المؤذن من الإقامة، ثم يُسوي الصفوف إن كان إمامًا، ثم ينوي الصلاة بعينها إن كانت الصلاة مكتوبة، أو سنة راتبة، وإن كانت نافلة غير راتبة أجزأته نية الصلاة، وتكون النية مقارنة للتكبير، لا يجزئه غيره.
والتكبير أن يقول: الله أكبر، أو الله الأكبر، لا يجزئه غير ذلك، ومن لا يحسن التكبير بالعربية كبّر بلسانه، وعليه أن يتعلم، ويجهر بالتكبير إن كان إمامًا. ويرفع يديه مع التكبير حذو منكبيه، ويفرّق أصابعه، فإذا انقضى التكبير حطّ يديه، وأخذ كوعه الأيسر بكفه الأيمن، وجعلهما تحت صدره، وجعل نظره إلى موضع سجوده، ثم يقرأ: وجّهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلمًا، وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا من المسلمين، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ويقرأ فاتحة الكتاب، أولها: بسم الله الرحمن الرحيم، ويرتل القراءة، ويرتبها، ويأتي بها على الولاء، فإن ترك ترتيبها، أو فرقها؛ لزمه إعادتها. وإذا قال: ولا الضالين، قال: آمين. ويجهر بها الإمام فيما يجهر فيها. وفي المأموم قولان: أصحهما: أنه يجهر بها، ثم يقرأ السورة يبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم، فإن كان مأمومًا في الصلاة يجهر فيها، ولم يقرأ السورة، وفي الفاتحة قولان: أصحهما: أنّه يقرأها. والمستحب أن تكون السورة في الصبح والظهر من طوال المفصل، وفي العصر والعشاء من أوساط المفصل، وفي المغرب من قصار المفصل.
ويجهر الإمام المنفرد بالقراءة في الصبح، والأوليين (١) من المغرب والعشاء، ومن لا يحسن الفاتحة وضاق الوقت عن التعلم قرأ بقدرها من غيرها، وإن كان يحسن آية ففيه قولان: أحدهما: يقرؤها، ثم يضيف إليها من الذكر ما يتم به قدر الفاتحة. والثاني: أنه يكرر ذلك سبعًا، وإن لم يحسن شيئًا من القرآن لزمه أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، ويضيف إليه كلمتين من
_________
(١) في المطبوعة: (والأولين). والتصويب من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
1 / 30
الذكر. وقيل: يجوز هذا وغيره، فإن لم يحسن شيئًا وقف بقدر القراءة.
ثم يركع مكبرًا رافعًا يديه، وأدنى الركوع أن ينحني حتى يبلغ يداه ركبيته، والمستحب أن يضع يديه على ركبتيه، ويفرّق أصابعه، ويمدّ ظهره وعنقه، ويجافي مرفقيه عن جنبيه، وتضمّ المرأة بعضها إلى بعض، ويقول: سبحان ربي العظيم ثلاثا، وذلك أدنى الكمال، فإن قال مع ذلك: اللهمّ لك ركعتُ، ولك أسلمت، وبك آمنت، وأنت ربي، خشع لك سمعي وبصري وعظامي وشعري وبشَري وما استقل به قدمي لله رب العالمين كان أكمل.
ثم يرفع رأسه قائلا: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه، فإذا استوى قائمًا قال: ربنا لك الحمد ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد، وذلك أدنى الكمال، فإن قال معه: أهل الثناء والمجد حق ما قاله العبد، كلنا لك عبد، لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد (١) كان أكمل.
ثم يكبر، ويهوي ساجدًا، فيضع ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، وأدنى السجود أن يباشر (٢) بجبهته المصلَّى، وفي وضع اليدين والركبتين والقدمين قولان: أحدهما: يجب. والثاني: لا يجب. وفي مباشرة المصلَّى بالكف قولان: أصحهما: أنه لا يجب. والمستحب أن يجافي (٣) مرفقيه عن جنبيه، ويقل (٤) بطنه عن فخذيه. وتضمّ المرأة بعضها إلى بعض، ويقول: سبحان ربي الأعلى ثلاثا، وذلك أدنى الكمال، فإن قال معه: اللهمّ لك سجدتُ، ولك أسلمت، وبك آمنت، أنت ربي، سجد وجهي للذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره، فتبارك الله أحسن الخالقين كان أكمل، وإن سأل الله تعالى في سجوده ما شاء كان حسنًا.
ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويجلس مفترشًا، ويفرش رجله اليسرى، ويجلس عليها، وينصب اليمنى، ويقول: اللهمّ اغفر لي، وارحمني، وارزقني، وعافني، واعف عني، ثم يسجد السجدة الثانية مكبرًا، ثم يرفع رأسه مكبرًا، ويجلس
_________
(١) هو الغني. وانظر: لسان العرب ٣/ ١١٧.
(٢) في المطبوعة: (يباهر). والتصويب من كفاية النبيه. [معده للشاملة].
(٣) يجافي: يرفع. انظر: لسان العرب ١٤/ ١٤٨.
(٤) ويقلّ: أي يرفع. هكذا في نهاية المحتاج شرح المنهاج في باب بيان أكمل السجود وما يقال فيه.
1 / 31
جلسة الاستراحة في أصح القولين.
ثم ينهض قائمًا معتمدًا على يديه، ويمدّ التكبير إلى أن يقوم.
ثم يصلي الركعة الثانية مثل الأولى، إلا في النية، والاستفتاح، والتعوّذ.
فإن كان في صلاة هي ركعتان جلس متوركًا، يفرش رجله اليسرى، وينصب اليمنى، ويخرجهما من تحته، ويُفضي بوركه إلى الأرض، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويقبض أصابعه إلا المسبحة؛ فإنه يشير بها متشهدًا، ويبسط اليد اليسرى على الفخذ اليسرى، ويتشهد فيقول: التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله. والواجب منه خمس كلمات: وهي التحيات لله، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمدًا رسول الله، ثم يصلي على النبي ﷺ فيقول: اللهمّ صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل ابراهيم، إنك حميد مجيد. والواجب منه: اللهمّ صل على محمد، ويدعو بما يجوز من أمر الدين والدنيا. والمستحب أن يدعو بدعاء رسول الله ﷺ: اللهمّ اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت.
ثم يسلم تسليمتين: إحداهما عن يمينه، ينوي بها الخروج من الصلاة والسلام على الحاضرين، والأخرى عن يساره، ينوي بها السلام على الحاضرين، ثم يدعو سرًّا، إلا أن يريد تعليم الحاضرين فيجهر، وإن كان في صلاة هي ثلاث ركعات أو أربع جلس بعد الركعتين مفترشًا وتشهد، وصلّى على النبي ﷺ وحده في أحد القولين، ولا يصلي في الآخر، ثم يصلي ما بقي من صلاته مثل الثانية، إلا أنّه لا يقرأ السورة في أحد القولين، ويقرأ في الآخر.
ويجلس في آخر الصلاة متوركا، فإن
1 / 32