Introduction à l'histoire de la philosophie islamique
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Genres
26
من قبيل الموجودات والأمور.
وإما أمور مخالطة أيضا كذلك، والذهن وإن كان يحوج في صحة تصور كثير منها إلى إلصاقه بما هو مادة أو جار مجرى المادة؛ فليس يمتنع عنده وعند الوجود ألا يتعين له مادة، وكل مادة تصلح لأن تخالطه ما لم يمنع مانع، وليس يحتاج في الصلوح له إلى ممهد يخصصه به مثل الثلاثية والثنائية من حيث هي متكونة ويعرض لها الجمع والتفريق، ومثل التدوير والتربيع وجميع ما لا يفتقر وجوده ولا تصوره إلى تعيين مادة له، وهذا قبيل ثان في الأمور والموجودات.
وإما أمور مباينة للمادة والحركة أصلا؛ فلا تصلح لأن تخلط بالمادة ولا في التصور العقلي الحق، مثل الخالق الأول - تعالى - ومثل ضروب من الملائكة، وهذا قبيل ثالث من الموجودات.
وإما أمور ومعان قد تخالط المادة وقد لا تخالطها، فتكون في جملة ما يخالط وفي جملة ما لا يخالط، مثل الوحدة والكثرة، والكلي والجزئي، والعلة والمعلول.
كذلك أقسام العلوم النظرية أربعة، لكل قبيل علم، وقد جرت العادة بأن يسمى العلم بالقسم الأول «علما طبيعيا»، وبالقسم الثاني «رياضيا»، وبالقسم الثالث «إلهيا»، وبالقسم الرابع «كليا»، وإن لم يكن هذا التفصيل متعارفا، فهذا هو العلم النظري.
وأما «العلم العملي» فمنه ما يعلم كيفية ما يجب أن يكون عليه الإنسان في نفسه وأحواله التي تخصه، حتى يكون سعيدا في دنياه هذه وفي آخرته، وقوم يخصون هذا باسم «علم الأخلاق».
ومنه ما يعلم كيف يجب أن يجري عليه أمر المشاركات الإنسانية لغيره، حتى يكون على نظام فاضل؛ إما في المشاركة الجزئية وإما في المشاركة الكلية، والمشاركة الجزئية هي التي تكون في منزل واحد، والمشاركة الكلية هي التي تكون في المدينة.
وكل مشاركة فإنما تتم بقانون مشروع، وبمتول لذلك القانون المشروع يراعيه ويعمل عليه ويحفظه، ولا يجوز أن يكون المتولي لحفظ المقنن في الأمرين جميعا إنسانا واحدا، فإنه لا يجوز أن يتولى تدبير المنزل من يتولى المدينة، بل يكون للمدينة مدبر، ولكل منزل مدبر آخر؛ ولذلك يحسن أن يفرد «تدبير المنزل» بحسب المتولي بابا مفردا، «وتدبير المدينة» بحسب المتولي بابا مفردا، ولا يحسن أن يفرد التقنين للمنزل والتقنين للمدينة كل على حدة، بل الأحسن أن يكون المقنن لما يجب أن يراعى في خاصة كل شخص. وفي المشاركة الصغرى وفي المشاركة الكبرى شخص واحد بصناعة واحدة وهو «النبي».
وأما المتولي للتدبير وكيف يجب أن يتولى، فالأحسن ألا تدخل بعضه في بعض، وإن جعلت كل تقنين بابا آخر، فعلت ولا بأس بذلك لكنك تجد الأحسن أن يفرد العلم بالأخلاق والعلم بتدبير المنزل والعلم بتدبير المدينة كل على حدة، وأن تجعل الصناعة الشارعة، وما ينبغي أن تكون عليه أمرا مفردا، وليس قولنا: «وما ينبغي أن تكون عليه»، مشيرا إلى أنها صناعة ملفقة مخترعة ليست من عند الله، ولكل إنسان ذي عقل أن يتولاها، كلا! بل هي من عند الله، وليس لكل إنسان ذي عقل أن يتولاها، ولا حرج علينا إذا نظرنا في أشياء كثيرة، مما يكون من عند الله، أنها كيف ينبغي أن تكون.
Page inconnue