Introduction à l'histoire de la philosophie islamique
تمهيد لتاريخ الفلسفة الإسلامية
Genres
فصل في أقسام الحكمة العملية: لما كان تدبير الإنسان إما أن يكون خاصا بشخص واحد، وإما أن يكون غير خاص بشخص واحد، والذي يكون غير خاص هو الذي إنما يتم بالشركة، والشركة إما بحسب اجتماع منزلي عائلي، وإما بحسب اجتماع مدني؛ كانت العلوم العملية ثلاثة: واحد منها خاص بالقسم الأول، ويعرف به أن الإنسان كيف ينبغي أن تكون أخلاقه وأفعاله حتى تكون حياته الأولى والأخرى سعيدة، ويشتمل عليه كتاب أرسطوطاليس في الأخلاق. والثاني منها خاص بالقسم الثاني، ويعرف منه أن الإنسان كيف ينبغي أن يكون تدبيره لمنزله المشترك بينه وبين زوجه وولده ومملوكه، حتى تكون حاله منتظمة مؤدية إلى التمكن من كسب السعادة، ويشتمل عليه كتاب أرونس
24
في تدبير المنزل، وكتب فيه لقوم آخرين غيره. والثالث منها خاص بالقسم الثالث، ويعرف به أصناف السياسات والرياسات والاجتماعات المدنية الفاضلة والردية، ويعرف وجه استيفاء كل واحد منها وعلة زواله وجهة انتقاله، فما كان يتعلق من ذلك بالملك فيشتمل عليه كتاب أفلاطون وأرسطو في السياسة، وما كان من ذلك يتعلق بالنبوة والشريعة فيشتمل عليه كتابان هما في النواميس، والفلاسفة لا تريد بالناموس ما تظنه العامة أن الناموس هو الحيلة والخديعة، بل الناموس عندهم هو السنة والمثال القائم ونزول الوحي. والعرب أيضا تسمي الملك النازل بالوحي ناموسا، وهذا الجزء من الحكمة العملية يعرف به وجود النبوة وحاجة نوع الإنسان في وجوده وبقائه ومنقلبه إلى الشريعة، وتعرف بعض الحكمة في الحدود الكلية المشتركة في الشرائع، والتي تخص شريعة شريعة بحسب قوم قوم وزمان زمان، ويعرف به الفرق بين النبوة الإلهية وبين الدعاوى الباطلة كلها.
وذكر ابن سينا بعد ذلك أقسام الحكمة الطبيعية ما يقوم منها مقام الأصل، وأقسام الحكمة الطبيعية الفرعية، وأتبع ما ذكر ببيان الأقسام الأصلية للحكمة الرياضية، والأقسام الفرعية للعلوم الرياضية، وأول الأقسام الأصلية للعلم الإلهي، ثم ذكر من فروع العلم الإلهي معرفة كيفية نزول الوحي والجواهر الروحانية التي تؤدي الوحي، وأن الوحي كيف يتأدى حتى يصير مبصرا ومسموعا بعد روحانيته، وعلم المعاد ويشتمل على تعريف الإنسان أنه لو لم يبعث بدنه مثلا لكان له ببقاء روحه بعد موته ثواب وعقاب غير بدنيين، وكانت الروح التقية التي هي النفس المطمئنة الصحيحة الاعتقاد للحق، العاملة بالخير الذي يوجبه الشرع والعقل، فائزة بسعادة وغبطة ولذة فوق كل سعادة وغبطة ولذة، وأنها أجمل من الذي صح بالشرع ولم يخالفه العقل أنها تكون لبدنه، إلا أن الله - تعالى - أكرم عباده المتقين على لسان رسله - عليهم السلام - بموعد بالجمع بين السعادتين الروحانية بقاء النفس والجسمانية ببعث البدن الذي هو عليه قدير إن شاء هو ومتى شاء هو. وتبين أن تلك السعادة الروحانية كيف أن العقل وحده طريق إلى معرفتها، وأما السعادة البدنية فلا يفي بوصفها إلا الوحي والشريعة، وبمثل ذلك يعرف حد الشقاوة الروحانية التي لأنفس الفجار، وأنها أشد إيلاما وإيذاء من الشقاوة التي أوعدوا بحلولها بهم بعد البعث، ويعرف أن تلك الشقاوة على من تدوم وعمن تنقطع، وأما التي تختص بالبدن فالشريعة أوقفتهم على صحتها، دون النظر والعقل وحده، وأما الشقاوة الروحانية فإن العقل طريق إليها من جهة النظر والقياس والبرهان، والجسمانية تصح بالنبوة التي صحت بالعقل ووجبت بالدليل وهي متممة للعقل، فإن كل ما لا يتوصل العقل إلى إثبات وجوده أو وجوبه بالدليل؛ فإنما يكون معه جوازه فقط، فإن النبوة تعقد على وجوده أو عدمه فصلا، وقد صح عنده صدقها فيتم عنده ما صح وقصر عنه من معرفته.»
ولما فرغ ابن سينا من الكلام على أقسام الحكمة قال: «وإذ قد أتى وصفنا على الأقسام الأصلية والفرعية للحكمة، فقد حان لنا أن نعرف أقسام العلم الذي هو آلة للإنسان موصلة إلى كسب الحكمة النظرية والعملية، واقية عن السهو والغلط في البحث والروية، مرشدة إلى الطريق الذي يجب أن يسلك في كل بحث ومعرفة حقيقة الحد الصحيح، وحقيقة الدليل الصحيح الذي هو البرهان، وحقيقة الجدلي المقارب للبرهان، وحقيقة الإقناعي القاصر عنهما، وحقيقة المغالطي المدلس منهما، وحقيقة الشعري الموهم تخيلا، وهو صناعة المنطق.»
وعقد فصلا عنوانه «في الأقسام التسعة للحكمة التي هي المنطق» ذكر فيه أقسام المنطق التسعة، وختم بقوله: «فقد دللت على أقسام الحكمة، وظهر أنه ليس شيء منها يشتمل على ما يخالف الشرع؛ فإن الذين يدعونها ثم يزيغون عن منهاج الشرع إنما يضلون من تلقاء أنفسهم ومن عجزهم وتقصيرهم، لا أن الصناعة نفسها توجبه، فإنها بريئة منهم.»
25
وذكر في نهاية الرسالة ما نصه: «فجملة العلوم المعقولة المضبوطة في هذه الرسالة العظيمة ثلاثة وخمسون علما.»
ولم يبلغ أحد علمناه قبل ابن سينا بالعلوم العقلية أو العلوم الفلسفية هذا العدد، وقد جعل المنطق آلة للعلوم العقلية أو الفلسفة بقسميها النظري والعملي، ثم أسماه مع ذلك حكمة.
وذكر في فروع العلم الإلهي علم الوحي وعلم المعاد، وهو في ذلك يقارب منهج إخوان الصفاء، ولابن سينا في تعريف الحكمة وتقسيمها مسلك طريف سلكه في منطق المشرقيين فقال: «في ذكر العلوم: إن العلوم كثيرة، والشهوات لها مختلفة، ولكنها تنقسم أول ما تنقسم قسمين:
Page inconnue