La domination française sur les pays égyptiens et syriens
ذكر تملك جمهور الفرنساوية الأقطار المصرية والبلاد الشامية
Genres
عفا الله عنه
وأما أمير الجيوش في تسعة عشر رمضان نهض بالعساكر من قلعة العريش إلى خان يونس، وفي الغد صارت مقدمات العساكر على مدينة غزة بنفوس معتزة، وأولهم الجنرال كليبر سرعسكر الجيش، والجنرال ميراد، وكانت عساكر الجزار وعساكر الغز في مدينة غزة، فعندما شاهدوا عساكر الفرنساوية مقبلين ولوا منهزمين، فدهمهم الجنرال ميراد بالرجال الشداد على الخيول الجياد، وأطلق عليهم الرصاص، فما مكثوا أمامه برهة يسيرة حتى ولوا منهزمين وإلى النجاة طالبين.
ولما كان الجنرال ميراد يحاربهم دخل الجنرال كليبر إلى البلد من غير قتال، وبات تلك الليلة في غزة، وفي الغد سير العساكر على مدينة يافا، وكانوا وجدوا في غزة حواصل ذخيرة من بقسماط وشعير، وأربعماية قنطار بارود، واثني عشر مدفعا، وحاصلا كبيرا من الخيام وكلل وقنابر عظام، فحازوا على الجميع، ولم يزالوا سايرين حتى وصلوا إلى يافا، وبنوا المتاريس أمام البلد ووضعوا المدافع عليها.
ومن بعد أربعة أيام من وصولهم وصل أمير الجيوش، واستخبر كم في البلد من العساكر؟ فقالوا له: نحو ثمانية آلاف، فكتب لهم وزيره إسكندر ينصحهم أن يسلموا البلد لسلامة أنفسهم، فلم يرضوا بالتسليم بل قبضوا على الرسول فتركوه مقتول، فبلغ أمير الجيوش ذلك فاغتاظ غيظا شديدا، وأمر بضرب المدافع والقنابر على المدينة، وابتدأ الحرب من أول النهار إلى الساعة التاسعة من ناحية حارة النصارى، ثم أمر أمير الجيوش بأن يهجموا على البلد هجمة واحدة، ويشنوا الغارة الجامدة، ويظهر ما عندهم من المكافحة والمجالدة، فغارت أوليك الشجعان، وكان ليلة عيد رمضان، فيا لها من ساعة كانت من ساعات القيامة! وتبا لها من ليلة لم يكن بها سلامة! وهجمت الفرنساوية هجم الأسود، وإذ شاهدتهم عساكر الإسلام أيقنوا بالموت والعدم والخلود، وبقوا نادمين وفي أمرهم حايرين، وإذ لم يجدوا لهم سبيلا للانهزام ولا منقذا ينقذهم إلى بر السلام، فسلموا إلى قضاء الله والأحكام، وطرحوا سلاحهم وسلموا أرواحهم، فبدت الفرنساوية يزجرونهم زجر الغنم.
ولم يزل هول الحرب في إمداد والكرب في اشتداد، وتتناتر الرءوس وتهلك النفوس، وتنهتك الأحرار وتنكشف الأسرار والأستار، وتقتل الرجال والنساء والأطفال، وفاق صوت البكاء والعويل على صوت البارود الجزيل، وكنت تنظر واحد يقتل واحد جذيل، وآخر دمه يسيل، والآخر بالأسر ذليل، ولا من يقيل ولا من يزيل، ولم يزل الجيش الفرنساوي في قتل وفتك وسبي وهتك، ورن سلاح وهز صفاح، وأخذ أرواح من أول الليل إلى آخر الصباح، وكان يوما أليما وحربا عظيما، وسلبوا كل ما في المدينة من المال والأمتعة الغوال، ولم يزل يعمل الصارم البتار إلى آخر النهار، وكان ذلك نهار العيد والخلق في حزن شديد، وحل الإنكيس في نهار ذلك الخميس.
وفي ذلك الحين مات من العساكر ما ينيف عن الخمسة آلاف ومن أهالي البلد ألفين، وقد هجمت الفرنساوية على المراكب التي في المينا، وأخذوا منها بضاعة ثمينة ، وأصبحت مدينة يافا لم يجد بها أحدا معافى، ولا بها مستتر وهي عبرة لمن اعتبر، وفي ثاني الأيام أحضر أمير الجيوش الأسارى، وأطلق سبيل من كان من الأقطار الشامية، وميز المصريين وأكرمهم غاية الإكرام، وكان منهم السيد عمر مكرم نقيب الأشراف، الذي كان هاربا وأعطاه الأمان، وأمره أن يرجع إلى الأوطان، وأما الهوارا والأرناوط أمر بقتلهم جميعا؛ لأن كان البعض منهم في قلعة العريش، وحين أطلقهم أمرهم أن يذهبوا إلى بلادهم سالمين فأتوا إلى مدينة يافا، وحاصروا بها فقتلهم جميعا من دون بعض أنفار من الأغاوات الكبار، وأرسلهم أسرى مع هجانة إلى قايمقام يعرفه بالأخبار عن هذا الانتصار، وأن يوزع من الديوان الكتابات كما جرت لهم عادات، ويخبر إلى المصريين في انتصار الفرنساويين على مدينة يافا.
صور الكتابات من علماء الديوان بمصر يعلموا الأقاليم بأخذ يافا
بسم الله الرحمن الرحيم، سبحان مالك الملك يفعل في ملكه ما يريد، سبحان الحاكم العادل الفاعل المختار ذو البطش الشديد، هذه صورة تمليك الله - سبحانه وتعالى - جمهور الفرنساوية لبندر يافا من الأقطار الشامية.
نعرف أهالي مصر وأقاليمها من ساير البرية أن العساكر الفرنساوية انتقلوا من غزة ثالث وعشرين شهر رمضان، ووصلوا إلى الرملة في خامس وعشرين منه في أمان واطمئنان، فشاهدوا عسكر باشا الجزار هاربين بسرعة قايلين: الفرار الفرار، ثم إن الفرنساوية وجدوا في الرملة ومدينة اللد مقدار كبير من مخازن البقسماط والشعير، ورأوا فيها ألف وخمسماية قربة مجهزة قد جهزها الجزار ليسير بها إلى إقليم مصر مسكن الفقراء والمساكين، ومراده يتوجه إليها بأشرار العربان من سفح الجبل، ولكن تقادير الله تفسد الحيل، قاصدا سفك دماء الناس مثل عوايده السابقة، وتجبره وظلمه مشهور لأنه من تربية المماليك الظلمة المصرية، ولم يعلم من خسافة عقله وسوء تدبيره أن الأمر لله وكل شيء بقضايه وتدبيره.
وفي سادس وعشرين من شهر رمضان وصلت مقدمات الفرنساوية إلى بندر يافا من الأراضي الشامية، وأحاطوا بها وحاصروها من الجهة الشرقية والغربية، وأرسلوا إلى حاكمها وكيل الجزار أن يسلمهم القلعة قبل أن يحل بهم وبعسكرهم الدمار، فمن خساسة رأيه وسوء تدبيره سعى في هلاكه وتدميره، ولم يرد لهم جواب وخالف قانون الحرب والصواب، وقتل الرسول النحاب، وفي آخر ذلك اليوم السادس والعشرين تكاملت العساكر الفرنساوية على محاصرة يافا، وصاروا كلهم مجتمعين وانقسموا ثلاثة طوابير، الطابور الأول توجه على طريق عكا بعيد عن يافا أربع ساعات.
Page inconnue