[chapter 1]

بسم الله الرحمن الرحيم صلى الله على محمد وآله

كتاب الشعر

| كتاب الشعر

|| كتاب الشعر

الغرض فى هذا القول تلخيص ما فى كتاب أرسطوطاليس فى الشعر من القوانين الكلية المشتركة لجميع الأمم، أو للأكثر؛ إذ كثير مما فيه هى قوانين خاصة بأشعارهم. وعادتهم فيها إما أن تكون نسبا موجودة فى كلام العرب، أو موجودة فى غيره من الألسنة.

قال: إن قصدنا الآن التكلم فى صناعة الشعر، وفى أنواع الأشعار. وقد يجب، على من يريد أن تكون القوانين التى تعطى فيها تجرى مجرى الجودة، أن يقول أولا: ما فعل كل واحد من الأنواع الشعرية؟ ومماذا تتقوم الأقاويل الشعرية؟ ومن كم من شىء تتقوم؟ وأيما هى أجزاؤها التى تتقوم بها؟ وكم أصناف الأغراض التى تقصد بالأقاويل الشعرية؟ — وأن يجعل كلامه فى هذا كله من الأوائل التى لنا بالطبع فى هذا المعنى.

قال: فكل شعر، وكل قول شعرى فهو إما هجاء، وإما مديح. وذلك بين باستقراء الأشعار، وبخاصة أشعارهم التى كانت فى الأمور الإرادية: أعنى الحسنة والقبيحة. وكذلك الحال فى الصنائع المحاكية لصناعة الشعر، التى هى: الضرب بالعيدان، والزمر، والرقص — أعنى أنها معدة بالطبع لهذين الغرضين.

Page 201

والأقاويل الشعرية هى الأقاويل المخيلة. وأصناف التخييل والتشبيه ثلاثة: اثنان بسيطان، وثالث مركب منهما. اما الاثنان البسيطان فأحدهما تشبيه شىء بشىء وتمثيله به؛ وذلك يكون فى لسان لسان بألفاظ خاصة عندهم، مثل: كأن، وإخال، وما أشبه ذلك فى لسان العرب، وهى التى تسمى عندهم حروف التشبيه. وإما أخذ الشبيه بعينه بدل الشبيه، وهو الذى يسمى الإبدال فى هذه الصناعة، وذلك مثل قوله تعالى: « وأزواجه أمهاتهم»، ومثل قول الشاعر:

هو البحر من أى المواضع أتيته

وينبغى أن تعلم أن فى هذا القسم تدخل الأنواع التى يسميها أهل زماننا استعارة وكناية، مثل قول الشاعر:

وعرى أفراس الصبا ورواحله

ومثل قوله تعالى: « أو جاء أحد منكم من الغائط». إلا أن الكنايات — أكثر ذلك — هى إبدالات من لواحق الشىء؛ والاستعارة هى إبدال من مناسبه، أعنى إذا كان شىء نسبته إلى الثانى نسبة الثالث إلى الرابع فابدال اسم الثالث إلى الأول وبالعكس.

وقد تقدم فى كتاب «الخطابة» من كم شىء تكون الإبدالات.

Page 202

وأما القسم الثانى فهو أن يبدل التشبيه، مثل أن تقول: الشمس كأنها فلانة، أو الشمس هو فلانة، لا: فلانة كالشمس، ولا: هى الشمس. وبالعكس قول ذى الرمة:

قال: وكما أن الناس بالطبع قد يخيلون ويحاكون بعضهم بعضا بالأفعال، مثل محاكاة بعضهم بعضا بالألوان والأشكال والأصوات — وذلك إما بصناعة وملكة توجد للمحاكين، وإما من قبل عادة تقدمت لهم فى ذلك — كذلك توجد لهم المحاكاة بالأقاويل بالطبع والتخييل. والمحاكاة فى الأقاويل الشعرية تكون من قبل ثلاثة أشياء: من قبل النغم المتفقة، ومن قبل الوزن، ومن قبل التشبيه نفسه. وهذه قد يوجد كل واحد منها مفردا عن صاحبه مثل وجود النغم فى المزامير، والوزن فى الرقص، والمحاكاة فى اللفظ، أعنى الأقاويل المخيلة الغير موزونة. وقد تجتمع هذه الثلاثة بأسرها، مثلما يوجد عندنا فى النوع الذى يسمى الموشحات والأزجال، وهى الأشعار التى استنبطها فى هذا اللسان أهل هذه الجزيرة. إذ كانت الأشعار الطبيعية هى ما جمعت الأمرين جميعا، والأمور الطبيعية إنما توجد للأمم الطبيعيين، فان أشعار العرب ليس فيها لحن، وإنما هى: إما الوزن فقط، وإما الوزن والمحاكاة معا فيها.

وإذا كان هذا هكذا، فالصناعة المخيلة، أو التى تفعل فعل التخييل، ثلاثة: صناعة اللحن، وصناعة الوزن، وصناعة عمل الأقاويل المحاكية — وهذه الصناعة المنطقية التى ننظر فيها فى هذا الكتاب.

Page 203

قال: وكثيرا ما يوجد من الأقاويل التى تسمى «أشعارا» ما ليس فيها من معنى الشعرية إلا الوزن فقط كأقاويل سقراط الموزونة وأقاويل أنبادقليس فى الطبيعيات، بخلاف الأمر فى أشعار أوميروش؛ فانه يوجد فيها الأمران جميعا.

قال: ولذلك ليس ينبغى أن يسمى «شعرا» بالحقيقة إلا ما جمع هذين. وأما تلك فهى أن تسمى «أقاويل» أحرى منها أن تسمى «شعرا»؛ وكذلك الفاعل أقاويل موزونة فى الطبيعيات هو أحرى أن يسمى «متكلما» من أن يسمى «شاعرا». وكذلك الأقاويل المخيلة التى تكون من أوزان مختلطة ليست أشعارا. — وحكى أن كانت توجد عندهم، ‘أعنى من أوزان مختلطة. وهذا غير موجود عندنا.

فقد تبين من هذا القول: كم أصناف المحاكاة، ومن أى الصنائع تلتئم المحاكاة بالقول حتى تكون تامة الفعل.

[chapter 2] فصل

Page 204

قال: ولما كان المحاكون والمشبهون إنما يقصدون بذلك أن يحثوا على عمل بعض الأفعال الإرادية، وأن يكفوا عن عمل بعضها، فقد يجب ضرورة أن تكون الأمور التى تقصد محاكاتها: إما فضائل، وإما رذائل. وذلك أن كل فعل وكل خلق إنما هو تابع لأحد هذين: أعنى الفضيلة والرذيلة؛ فقد يجب ضرورة أن تكون الفضائل إنما تحاكى بالفضائل والفاضلين، وأن تكون الرذائل تحاكى بالرذائل والأرذلين. وإذا كان كل تشبيه وحكاية إنما تكون بالحسن والقبيح، فظاهر أن كل تشبيه وحكاية إنما يقصد بها التحسين والتقبيح. وقد يجب مع هذا ضرورة أن يكون المحاكون للفضائل، أعنى المسائلين بالطبع إلى محاكاتها، أفاضل، والمحاكون للرذائل أنقص طبعا من هؤلاء وأقرب إلى الرذيلة. وعن هذين الصنفين من الناس وجد المديح والهجو، أعنى مدح الفضائل وهجو الرذائل. ولهذا كان بعض الشعراء يجيد المدح ولا يجيد الهجو، وبعضهم بالعكس. أعنى يجيد الهجو ولا يجيد المدح. فاذن بالواجب ما كان يوجد لكل تشبيه وحكاية هذان الفصلان: أعنى التحسين والتقبيح. وهذان الفصلان إنما يوجدان للتشبيه والمحاكاة التى تكون بالقول، لا المحاكاة التى تكون بالوزن، ولا التى تكون باللحن.

وقد يوجد للتشبيه بالقول فصل ثالث، وهو التشبيه الذى يقصد به مطابقة المشبه به من غير أن يقصد فى ذلك تحسين أو تقبيح، لكن نفس المطابقة. وهذا النوع من التشبيه هو كالمادة المعدة لأن تستحيل إلى الطرفين: أعنى أنها تستحيل تارة إلى التحسين بزيادة عليها، وتارة إلى التقبيح بزيادة أيضا عليها.

قال: وهذه كانت طريقة أوميروش، أعنى أنه كان يأتى فى تشبيهاته بالمطابقة والزيادة المحسنة والمقبحة.

Page 205