ولما تبين له هذا أخذ يبين ما كان وضعه في هذا البيان وضعا وهو: أن غير الفاسد وغير الكائن ينعكس كل واحد منهما رابعا على صاحبه. وهو يأخذ في بيان ذلك أن الكائن والفاسد ينعكس كل واحد منهما رابعا على صاحبه. ولذلك يشرع أولا في بيان هذا على هذه الصفة: وذلك بأنيبتدئ أولا فيبين أن كل كائن وفاسد فهو متوسط بين الموجود دائما، وذلك عكس ما تبين قبل من أن التوسط بين الموجود دائما والمعدوم دائما كائن فاسد، وبيانه هكذا/: بين الموجود دائما والمعدوم دائما وسط هو موجود في بعض الأوقات معدوم في بعضها، وهو الذي له كون وفساد، على ما تبين قبل. فإذا كان هذا هكذا فأقول: ان كل كائن وفاسد فهو وسط بين الموجود دائما والمعدوم دائما، فليكن حرف الألف الشيء الذي هو دائما معدوم، وليكن حرف الباء الشيء الذي فيه دائما (16ظ) [27 ظ] موجود، وليكن حرف الجيم الشيء الكائنو فأقول: انه وسط بين أوب. وليكن أيضا حرف ء الشيء الفاسد فأقول: انه وسط أيضا [Picture] بين حرف أوحرف ب، وذلك أنه ليس لحرف أغاية ولا نهاية في الزمان لأنه معدوم دائما. ولا أيضا لحرف ب غاية ولا نهاية في الزمان لأنه موجود دائما، وأما حرف ح الذي هو الكائن فانه محدود الزمان، أعني زمان وجوده وزمان عدمه، وذلك ان زمان عدم الشيء المشار إليه في الموضوع الخاص به محدود مثل زمان وجوده. وإذا كان الكائن محدود زمان الوجود وزمان العدم فهو وسط بين غير المحدود زمان العدم وزمان الوجود، وكذلك يبين أيضا بمثل هذا أن الفاسد وسط بين الموجود دائما والمعدوم، ولما كان الوسط هو الذي له قوة الوجود وقوة العدم، وكان كل واحد من هذين ينعكس راجعا على الوسط، وجب أن يكون كل واحد منهما ينعكس راجعا على صاحبه، مثال ذلك أن نقول: الكائن هو ماله قوة الوجود والعدم، وماله قوة الوجود والعدم فاسد، فيلزم عن ذلك أن يكون الكائن فاسدا، ثم نعكس هذا القياس بأسره فيلزم عن ذلك أن كل فاسد كائن وهي عكس نتيجة القياس الأول. ولما تبين له أن الكائن والفاسد يرجع كل واحد منهما على صاحبه بالسواء بين بذلك أن غير الكائن وغير الفاسد يرجع كل واحد منهما على صاحبه بالسواء، وذلك انه قد تبين في كتاب القياس انه متى كان حدان متقابلان يقسمان الصدق والكذب على جميع الموجودات، وحدان آخران بهذه الصفة، أعني متقابلين، وكان أحد الحدين من أحد المتقابلين يصدق منعكسا على أحد الحدين من المتقابلين الثاني، فانه واجب أن يلزم مثل ذلك في الحدين الاخرين من كل واحد من المتقابلين. مثال ذلك أن الكائن وغير الكائن حدان متقابلان، والفاسد وغير الفاسد حدان متقابلان، فمتى تبين أن كل كائن فاسد وكل فاسد كائن تبين أن كل غير كائن غير فاسد، وكل غير فاسد غير كائن، أو عكس هذا، أعني أنه ان تبين ان كل غير فاسد غير كائن، تبين ان كل كائن فاسد وكل فاسد كائن. فلنضع ان كل كائن فاسد وكل فاسد كائن على ما تبين، فأقول: إن كل غير كائن غير فاسد وكل غير فاسد غير كائن، على ما تبين في كتاب القياس، وبيان ذلك يظهر على هذه الجهة: وذلك ان لم يكن غير الكائن غير فاسد فهو فاسد ضرورة، فان كل شيء اما ان يكون فاسدا واما غير فاسد، فان كان غير الكائن فاسدا، وقد تبين أن كل فاسد كائن، كان غير الكائن كائنا، هذا خلف لا يمكن، فغير الكائن هو غير فاسد ضرورة. وبمثل هذا يستبين أن غير الفاسد غير كائن. وأرسطو يبين هذا بيانا عاما بالحروف ليرى صدق ذلك في جميع المتقابلات، وذلك قريب لمن تأمله. فجملة ما تبين من هذا القول: اما أولا فتبين أن الموجود دائما ليس فيه قوة العدم. وتبين ثانيا ببيان هذا أن الموجود دائما غير كائن ولا فاسد. وتبين ثالثا أن المتوسط بين الموجود دائما والمعدوم دائما هو الكائن الفاسد وأن الكائن والفاسد غير أزلي. وتبين رابعا عكس البيان الثني وهو أن غير الكائن وغير الفاسد أزلي، واستعمل في بيان ذلك أن غير الكائن وغير الفاسد ينعكس كل واحد منهما على صاحبه بالتكافؤ. وتبين خامسا عكس البيان الثالث وهو أن الكائن والفاسد متوسط بين المعدوم دائما والموجود دائما. وتبين سادسا من هذا أن الكائن والفاسد ينعكس كل واحد منهما راجعا على صاحبه بالتكافؤ. وتبين سابعا أن غير المائن وغير الفاسد ينعكس كل واحد منهما راجعا على صاحبه بالتكافؤ، وهي المقدمة التي استعملها (17و) [28 و] في البيان الرابع. فهذه هي جميع الطالب التي تضمنها هذا الفصل. ثم انه بعد هذا يختم هذا القول بأن يقول: فان كان أحد يضع شيئا مكونا غير واقع تحت الفساد، أو شيئا ذائما واقعا تحت الفساد، فقد يجب عليه أن يبطل بعض هذه المقدمات والمقاييس التي وضعناها، لكن ان كان ابطالها غير ممكن، فالوضع العائد بابطالها ممتنع ضرورة.
القسم الثامن
Page 170