ولما تكلم فى كتاب الحيوان في اعضاء الحيوان وما يعرض لها، وتكلم بعد هذا فى كتاب النفس فى النفس وفى اجزائها الكلية، شرع هاهنا فى التكلم فى القوى الجزئية منها، وتميز العام منها لجميع الحيوان من الخاص. وبالجملة فهو يفحص هاهنا عن القوى التى توجد للحيوان من جهة ما هو متنفس. ولما كانت هذه القوى صنفين، صنف ينسب لجسد الحيوان من اجل وجود النفس له مثل الحس والحركة، وصنف ينسب للنفس من اجل الجسد. وهذه هى اجناس: منها النوم واليقظة؛ ومنها الشباب والهرم؛ ومنها الموت والحياة؛ ومنها دخول النفس وخروجه؛ ومنها الصحة والمرض؛ ومنها طول العمر وقصره؛ وكان قد تكلم فى الصنف الاول منها فى كتاب النفس كلاما كليا، ابتدأ هاهنا فتكلم فيها كلاما جزئيأ، اعنى انه يذكر فصولها العامة لجميع الحيوان والخاصة بنوع نوع، ويوفى القول فى ما بقى عليه من اسباب تلك القوى. مثال ذلك انه تكلم في كتاب النفس فى القوة المحركة الحيون فى المكان، ما هى وكيف تحركا، وبقى عليه هاهنا ان يقول ما هى الاعضاء والآلات التى بها تتم هذه الحركة.
ثم انه بعد ذلك يذكر الصنف الثانى من هذه القوى، وهذا الصنف هو ضرورى فى جود الحيوان. وذلك ان كل قوة منها تشمل قوى كثيرة من قوى النفس، وهى كالجنس لها. ولذلك كانت اكثر ضرورية من الصنف الاول، مثل النوم واليقظة، فان النوم سكون جميع الحواس، واليقظة هي حركاتها. وكذلك الموت ولحياة، والشباب والهرم، والصحة والمرض.
والذى يلفى لارسطو فى بلادنا هذه من القول فى هذه الاشياء التى وعد فى صدر هذا الكتاب بالتكلم فيها، انما هو ثلاث مقالات فقط. المقالة الاولى يتكلم فيها فى القوى الجزئية التى فى الحواس والمحسوسات، وبهذا الجزء لقب هذا الكتاب. والمقالة الثانية يتكلم فيها فى الذكر والفكر والنوم واليقظة والرؤيا.
Page 2