تأتي الحلبة ويتناول منها رشفة. يميل عليه «عبد العليم» ويهمس في أذنه. يقول «جمعة» أفندي: فوق ما تتصور. يخاطب الجميع قائلا إنها تبذل كل شيء لإسعاده وطرد الملل عن نفسه. وفي بعض الليالي تسأله عن شكل المرأة التي يرغب فيها، وتتشكل في الحال على هيئتها. مرة خواجاية بشعر أصفر ولابسة مايوه. ومرة راقصة شبه «تحية كاريوكا». ومرة في جونلة قصيرة كأنها تلميذة راجعة من المدرسة.
يرين الصمت على الجميع. تدخل امرأة في ملاءة سوداء. تعطينا ظهرها وتطلب من «سليم» خمسين درهم حلاوة. تتجه إليها أنظار الجميع . تضم الملاءة حول جسدها فينكشف جزء من ساقها. تستقر عينا أبي على باطن ساقها الممتلئ. يزيح أبي سترته ويضع يده في جيب الصديري مكان الساعة. يرفع يده اليسرى إلى فمه ويمر بإصبعه فوق شاربه وهو يتبادل نظرة باسمة مع الحاج «عبد العليم».
يهب «ماجد» أفندي واقفا: عن إذنكم يا جماعة، أحسن بتندهلي. يغادر الدكان مهرولا. أستعيد مقعدي. يقول الشيخ المعمم: البنات مش لاقية جواز وهو يروح يجوز جنية؟ يبسط «رأفت» جرنال «المصري». يقلب صفحاته ثم يتوقف عند إحداها. - اسمعوا «درية شفيق» بتقول إيه. خطر العنوسة يهدد بنات مصر لأن الرجال مضربون عن الزواج. يقول الشيخ المعمم: الست دي زودتها قوي. النسوان بقوا يزاحموا الرجالة في الوظائف. وآخر بدعة تعيين بنات العائلات مضيفات في الطائرات.
يميل الحاج «عبد العليم» على أبي ويهمس بشيء. يجيب أبي: مش نافعة. طول الوقت قاعدة جنب البلكونة وفي إيدها سيجارة «كوتاريللي». لا تعرف تطبخ ولا تنضف. تجيب كوز ميه وترميه على الأرض وخلاص. فاكرة إنها قاعدة في البلد وبترش الميه عشان التراب يهدا. يضيف بعد لحظة: النهارده زعقت فيها. قعدت تبرطم طول اليوم من غير ما أفهم بتقول إيه.
يقترح «عبد العليم» الانتقال إلى الخارج لأن الجو دافئ. يحمل «عباس» مقاعدنا ويصفها على الرصيف بجوار المدخل. ألمح الضوء المنبعث من محل الخردواتي. آخذ من أبي تعريفة وأذهب إليه. أشتري قطعة روبسوس مدورة في وسطها حمصة زرقاء.
عند عودتي أجد الدكتور «عزيز» يحتل مقعدي. له كرش كبير متهدل فوق حافة بنطلونه. أقف بين ساقي أبي. يسألني الدكتور عن المدرسة. يشكو له أبي من عزوفي عن الأكل. ينصح الدكتور بأن أتناول «أوفالتين» وفيتامينات. يقول له أبي: أنا كمان تعبان، بتجيلي دوخة ومبقاش قادر أقوم من السرير. - ابقى مر علي في العيادة أقيسلك الضغط.
يسأل أبي الحاج «عبد العليم» عن وعد أصحاب المنزل بفتح باب الحمام وتشغيله. يقول «عبد العليم» إنه كلمهم من غير فائدة. يضيف: ما تروحوا الحمام البلدي في «الحسينية»؟ يهز الشيخ المعمم رأسه: الشخص المحترم ميروحش الحمام البلدي. إنتو عارفين الفضايح اللي بتحصل هناك.
ينضم إلينا قسيس بدين في رداء أسود. رأسه مغطى بما يشبه الطبق الملفوف بقماش مشدود. يسأل «رأفت» أفندي: حد قرا قصيدة «العقاد» الجديدة؟ يستفسر أبي: عن إيه؟ - بيتغزل في شفايف الممثلة «كاميليا». صاحبة الفم الدافئ كما تسميها «أخبار اليوم». يقول الدكتور «عزيز» إنها أصبحت عشيقة للملك. يقول الحاج «عبد العليم»: مسكينة الملكة «فريدة». يقول «رأفت»: إن بائع بطيخ نادى على بضاعته صائحا: بطيخ الملك. واشترى أحد المارة واحدة وعندما شقها له البائع تبين أنها قرعة، هنا صاح البائع: بطيخ الملك «فاروق». يضحك الجميع فأدرك أنها نكتة.
أغادر مكاني وألف بحيث أصبح خلفه. أطل على الصحيفة في يده. صورة سيارة شرطة مكشوفة وبها عدد من الشبان في حراسة الجنود. السيارة تسير في منتصف الشارع. عربة «سوارس» يجرها حماران انتحت جانبا. يقول «رأفت» أفندي: محاكمة «حسين توفيق» و«أنور السادات» قربت تخلص. الدور بعد كده على الشيوعيين.
يقرأ أحد العناوين الجانبية: الحكومة المصرية تتسلم سكة حديد القنطرة. - حيفا من الإنجليز. أبتعد برأسي عندما يطوي الصحيفة. أنظر داخل جيب سترته العلوي الذي يبرز منه منديل أبيض. هناك قلم حبر من غير غطاء وبقعة حبر كبيرة على قاعدة المنديل. يقول في لهجة ساخطة: اليهود ناويين على حرب. واحنا في دنيا تانية. الحكومة بتشتي وبعدين تصيف. والزعماء بيتكلموا عن حاجة اسمها «العمل الإيجابي». ولا حد عارف إيه هو ده العمل الإيجابي.
Page inconnue