287

ودل كلام يحيى عليه السلام في (المنتخب)(1) على نجاسة المذي، حين يقول: من انتقض طهوره من سيل الدمل أو الرعاف أو القيء أو الريح، أو المذي، أو الدود، أو ما أشبه ذلك، أعاد منه الطهور من أوله، فاقتضى كلامه الابتداء، بتطهير موضعه، على أن تصريحه بأنه ينقض الطهارة في (الأحكام)(2) كالتصريح بتنجيسه؛ لأنه لا مذهب إلا مذهب من يرى أنه لا ينقض الطهارة، وأنه غير نجس، وهم طائفة من الإمامية، أو مذهب من يروي أنه ينقض الطهارة وأنه نجس.

والذي يدل على نجاسة المني: ما روى ابن المسيب، عن عمار، قال: مر بي رسول الله، وأنا أسقي راحلتي، فتنخمت، فأصابتني نخامتي، فجعلت أغسل ثوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( ما نخامتك ودموع(3) عينيك إلا بمنزلة واحدة، إنما تغسل ثوبك من البول، والغائط، والمني وهو الماء الغليظ ، والدم، والقيء )). ففصل صلى الله عليه وآله وسلم بين ما يجب أن يغسل الثوب منه، وبين ما لا يجب، وإذا ثبت أن المني مما يجب أن يغسل منه الثوب، ثبت أنه نجس.

وروي عن عائشة قالت: قال(4) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا رأيت المني يابسا، فحتيه، فإن كان رطبا، فاغسليه )). والأمر بالغسل يقتضي إيجابه، وهذان الحديثان ذكرهما الجصاص في شرحه بإسناديهما.

فإن قيل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (( إذا كان يابسا، فحتيه )). يدل على أنه غير نجس؛ إذ النجس لا يقتصر فيه على الحت عندكم.

قلنا: قد ثبت أنه نجس بقوله: (( اغسليه )). وقوله: (( إذا كان يابسا، فحتيه )) معناه: حتيه مع الغسل؛ لأنه إذا كان يابسا، احتاج إلى الحت مع الغسل ليزول، فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن كان يابسا ، فحتيه، وإن كان رطبا، فاقتصري به على الغسل، وترك لفظة الغسل مع الحت تعويلا على ما نبه عليه.

Page 287