Expériences: Un Recueil d'Articles Sociaux
التجاريب: وهي مجموعة مقالات اجتماعية
Genres
فقلت لها يا عز كل مصيبة
إذا وطنت يوما لها النفس ذلت
الآن لما كادت الحرب تطوي شرتها، ويدعى إلى التقاضي قاتل الأمة وناهبها، يأتي الجانون وأيديهم تقطر دما، وأكياسهم تتفجر ذهبا، يستعيدون المخادعة؛ ليستروا تلك الآثام، ثم ينادون بيننا باسم الوطن الذي قتلوه، ونصدق نحن ما يقولون، إننا إذن أبعد الناس عن الصواب، كلا، إن اسم الوطن أرفع من أن تتماضغه تلك الأفواه، نخشى عليه من حر تلك الأنفاس التي تنفخ بسموم المطامع، على الأمة أن تنظر في أمرها، لا بد لهذا العبء الثقيل أن يوضع، أفي ساعة الموت نروع بهذه الوجوه؟ ما يمنع القلوب أن تطير من الصدور؟
الفصل السادس عشر
عبد الحميد مبكيا بعد سقوطه
إن من عجائب الشرق أن يشكو ابنه الرجل حاضرا، وأن يشتاق إليه غائبا، ومن عجائبه أن يكون لكل امرئ رأيان ليس له أحدهما، ولكنه يحملهما استخداما لهما، فكلما حل بين جماعة من أهل أحد الرأيين كلمهم به، والآن أرجع إلى استيفاء شرح ما أردت.
رأيت أناسا يقولون رحمة الله على أيام عبد الحميد، كانت خيرا من هذه الأيام، وسقى الله عبد الحميد، كان أحسن من رجال اليوم حالا، وأحكم تدبيرا وأسلم نهجا، يا عجبا لهذه الرءوس! خلت من كل تأمل، وإنما برق لها في العهد الحميدي بارق المال والجاه والوسام فهاجها، وإلا ماذا يبكيها من افتقاد عبد الحميد؟
ألم يأتها أن رجال اليوم إذا قصروا عن الخروج بهذه الدولة من ظلماتها؛ فذلك لأنهم ربوا في دولة عبد الحميد ونشئوا في ظل سلطانه؟
ألم يأتها أن عبد الحميد لم يفسد الدولة وحدها، بل أفسد الأمة معا؟ أبى عليها مكارم الأخلاق كلها، ما انتفع بكذب إلا حض عليه، ما انتصر بخدعة إلا ساق إليها، أربع وثلاثون سنة، كل سنة منها كالعصر طولا، من ابن الخمسين إلى ابن السنة الواحدة مستثمر بيد عبد الحميد، ناشئ في دوحته.
أجل، إن الفساد سبق عبد الحميد إلى الأمة، ولكنه تخاذل عنها أحيانا، ولم ينتصر إلا بعد عبد الحميد.
Page inconnue