كان حفني منذ تعرف بالأميرة فضيلة قد علا نجمه بين النساء بصورة خيالية. وأصبحت كل فتاة من اللواتي لا يعنين كثيرا بالشرف تتمنى أن تكون صديقة لذلك الفتى الذي صاحب الأميرة فضيلة فترة من الزمان.
وكان في هذه الحفلة في تلك الليلة فتاة أو قل سيدة، أو إذا كنت تريد الدقة في الوصف فقل امرأة اسمها وسيلة الدهري، وكانت لها قصة. أما قصتها فلا شأن لها بما أرويه لك، ولكني مع ذلك أجد نفسي مسوقا لقصها عليك، إذا كنا اتفقنا أننا نسعى لمعرفة البشر الذي تنتسب إليه، أم ترانا لم نتفق؟ المهم كانت وسيلة. أتحب أن أروي لك أنا قصتها أم أتركها هي ترويها لك، فأنا حريص على ألا أقص عليك قصة واحدة مرتين. وفي هذه الحادثة التي سأقدمها إليك والتي وقعت بين حفني ووسيلة ستسمع القصة منها هي، فلماذا لا أكتفي بنقل أنباء هذه الواقعة إليك وأترك وسيلة تقص هي عليك قصتها؟ والحقيقة أنها فيما قالته كانت صادقة، لا لأن الصدق من طبيعتها، ولكن لأنها لم تكن محتاجة لكذب على من تروي له القصة.
كان رشدي المهدي يقدم خدماته للجنسين معا. فكما يستجيب لرغبات الرجال كان يستجيب أيضا لرغبات النساء، وقد طلبت إليه وسيلة أن يعرفها بحفني، وكانت هذه الحفلة الموعد الذي حدده لها لينفذ رغبتها.
وسيلة سيدة غاية في الجمال تركت الثلاثين من عمرها منذ سنوات قلائل، وهي زوجة الدكتور فتوح عبد القادر، وهو طبيب واسع الشهرة في أمراض النساء والولادة. ووسيلة هي زوجته الثانية، وهي تتمتع بشهرة قريبة من شهرة زوجها في ميدان المغامرات، وإن كانت الألسنة تتناقل شهرة زوجها في علانية وصوت جهير، فهي تتناقل سمعة زوجته بنفس السعة ولكن خفية وفي صوت هامس.
قال رشدي المهدي: حفني بك لا بد أنك تعرف وسيلة هانم. - بشهرة الجمال وإن لم يسبق لي الشرف.
وقالت وسيلة: أما أنا فأعرفك بشهرات أخرى عديدة.
وقال رشدي المهدي: إذن فلا مكان لي بينكما.
خبير هو واسع الخبرة. لقد أتم مأموريته وانصرف ليقوم بالأعمال الأخرى الكثيرة المتراكمة على كتفيه، أم يجدر بنا أن نقول المتراكمة على رأسه.
قالت وسيلة: غريبة أننا لم نلتق قبل الآن. - بل لا غرابة، فأنا أعرف أن الدكتور مشغول، وأنك لا تكثرين من الذهاب إلى الحفلات. - أنت تعرف عني الكثير. - إذا لم أعرف عن هذا الجمال كل أخباره فالموت أولي بي. - أعوذ بالله! لا ... اطمئن، إنك جدير بالحياة، فأنت تعرف كل شيء تقريبا. - إذن فهناك أشياء لا أعرفها. - طبعا، وهل يستطيع أحد أن يعرف كل شيء عن الآخرين. - إذن فأنا منتظر أن تخبريني أنت عما لا أعرف. - عني؟ - طبعا. - وهل تظن أن أحدا يعرف كل شيء عن نفسه. - الآن عرفت شيئا لم أكن أعرفه. - أهكذا؟ - أنت فيلسوفة أيضا. - وهل شفت حاجة! - أريد أن أشوف. - وماله. - متى؟ - متى أحببت. - أنا أحب من الآن. - من الآن؟! - من الآن. - والحفلة؟ - في ستين داهية الحفلة ومائة حفلة. - هيا. - هيا. ••• - كانا في سرير حفني عاريين تماما. - ها أنت شفت. - وما أجمل ما شفت! - ولكن أتظن أنك عرفت عني كل شيء؟ - عرفت أهم شيء . - يتهيأ لك.
وعلا صوت جرس الباب يدق في إصرار متصل، فشحب وجه حفني، وابتسمت وسيلة، وقال حفني: أنا لا أنتظر أحدا.
Page inconnue