كانا يسيران شرقا بمحاذاة شارع 34، حيث القليل من الناس في منتصف اليوم الخانق. اندفع فيل ساندبورن فجأة قائلا: «يا إلهي! الفتيات في هذه البلدة يزددن جمالا كل يوم. أنت تحب هذه الأزياء الجديدة، أليس كذلك؟» «بالطبع. كل ما أتمناه هو أن أصبح أصغر عمرا كل عام وليس أكبر.» «أجل فكل ما يمكننا فعله نحن العجائز أن نشاهدهن مارات أمامنا.» «ذلك لحسن حظنا وإلا لاحقتنا زوجاتنا بكلاب الدموم ... يا إلهي، عندما أفكر في كل ما كان بإمكانه أن يحدث!»
عندما كانا يعبران الجادة الخامسة، وقعت عينا فيل على فتاة في سيارة أجرة. من أسفل حافة سوداء لقبعة صغيرة ذات شريط أحمر أصابت عينان رماديتان عينيه بشعاع أسود مخضر. ابتلع أنفاسه. تضاءل دوي حركة المرور من بعيد. كان ينبغي ألا تبعد ناظريها. خطوتان ويفتح الباب ويجلس بجوارها، بجوار رشاقتها جاثما كطائر فوق المقعد. قاد السائق بأقصى سرعة. كانت شفتاها مضمومتين ناحيته، وعيناها تبرقان كطيور رمادية ترفرف بعد أن أمسك بها. «أنت، انتبه ...» انهال عليه من الخلف دوي اصطدام حديد. دارت الجادة الخامسة أمام عينيه في دوامات حمراء وزرقاء وأرجوانية. يا إلهي! «لا بأس، اتركني. سأنهض وحدي في غضون دقيقة.» «تحرك إلى هناك. ارجع هناك.» سمع أصوات دق، ورأى أعمدة زرقاء من رجال الشرطة. كل من ظهره وساقاه ملطخ بدماء دافئة. تنبض الجادة الخامسة بصرخات ألم عالية. يصلصل جرس صغير مقتربا. وهم يرفعونه إلى سيارة الإسعاف، تزعق الجادة الخامسة بنزعات وصرخات مختنقة. رفع عنقه ليراها، بوهن، كسلحفاء انقلبت على ظهرها، ألم تخطف عيناي عينيها كشرك فولاذي يقضم فريسة؟ يجد نفسه يئن. ربما ظلت لترى إن كنت قد مت. يخفت صوت صلصلة الجرس، يصبح أخف أكثر فأكثر في ظلمة الليل. •••
واصل صوت صلصلة جهاز الإنذار عبر الشارع بلا توقف. وقسم نوم جيمي إلى حلقات محكمة كحبات في سلسلة. أيقظه قرع على الباب. اعتدل في السرير مترنحا ووجد ستان إيميري، وقد كان وجهه رماديا يعلوه الغبار، ويداه في جيبي معطفه الجلدي الأحمر، ويقف عند مؤخرة السرير. كان يضحك مترنحا للأمام وللخلف على مقدمتي قدميه. «يا إلهي، كم الساعة الآن؟» اعتدل جيمي في السرير فاركا عينيه بأصابعه. تثاءب ونظر حوله بامتعاض مرير إلى ورق الحائط حيث اللون الأخضر الداكن لزجاجات مياه بولند ووتر، وإلى الظل الأخضر المتفرق الذي يدخل قطرات طويلة من أشعة الشمس، وإلى المدفأة الرخامية التي سدها طبق معدني مصقول ومزين برسومات ورود محرشفة، وإلى روب الحمام الأزرق البالي فوق مؤخرة السرير، وإلى أعقاب السجائر المدهوسة في منفضة السجائر ذات الزجاج البنفسجي.
كان وجه ستان أحمر وبنيا، وكان يضحك أسفل قناع الغبار الطباشيري. كان يقول: «الحادية عشرة والنصف.» «دعنا نر، تلك ست ساعات ونصف. أظن هذا يفي بالغرض. ولكن ما الذي تفعله هنا بحق الجحيم يا ستان؟» «أليس لديك رشفة صغيرة من الشراب في أي مكان يا هيرف؟ أنا ودينجو نشعر بالعطش الشديد. لقد قطعنا كل ذلك الطريق الطويل من بوسطن، ولم نتوقف سوى مرة واحدة للتزود بالوقود والماء. ولم أنم منذ يومين. فقد أردت أن أرى ما إذا كنت سأصمد طوال الأسبوع.» «يا إلهي، أتمنى لو أن بإمكاني أن أصمد الأسبوع كله في الفراش.» «ما أنت بحاجة إليه هو وظيفة في إحدى الصحف كي تظل مشغولا يا هيرف.»
لف جيمي نفسه بحيث أصبح يجلس على حافة السرير: «ما الذي سيحدث لك يا ستان؟ ... هل ستستيقظ صباح يوم من الأيام لتجد نفسك فوق بلاطة رخامية في المشرحة؟»
انبعثت من الحمام رائحة معجون أسنان أشخاص آخرين ومطهر الكلوريد. كانت ممسحة الحمام رطبة، وطواها جيمي إلى مربع صغير قبل أن يخلع نعليه بحذر. رجت المياه الباردة الدماء في عروقه. غطس فيها رأسه وقفز ووقف يهتز كالكلب والمياه تنساب إلى عينيه وأذنيه. ثم ارتدى روب الحمام ورغى وجهه.
تدفق أيها النهر
تدفق إلى البحر
همهم نشازا وهو يقشط ذقنه بالشفرة الآمنة. يؤسفني يا سيد دروفير أنني سأترك العمل بعد الأسبوع المقبل. أجل، سأسافر إلى الخارج؛ إذ سأعمل مراسلا أجنبيا لصالح وكالة «أسوشيتد برس» في المكسيك، لصالح وكالة «يونايتد برس» في أريحا على الأرجح، مراسل في هاليفاكس لصالح «مادتيرتل جازيت». «حل الكريسماس في الحرملك والخصيان في كل مكان.» ... من ضفاف نهر السين
إلى ضفاف ساسكاتشوان.
Page inconnue