جاء يوم الأحد مثقلا وسط المدينة بالصمت والطقس المشمس. جلس بالدوين إلى مكتبه في قميصه الذي لا يرتدي أي شيء فوقه يقرأ كتاب قانون مجلدا بجلد عجل. وكان بين الحين والآخر يدون ملاحظة في دفتر مذكرات بخط يد عادي منبسط. رن الهاتف عاليا وسط السكون والحر. أنهى الفقرة التي كان يقرؤها ومشى بخطوات سريعة للرد على الهاتف. «نعم أنا هنا وحدي، تعالي إذا أردت.» وضع السماعة. تمتم مطبقا على أسنانه: «اللعنة.»
دخلت نيللي دون أن تطرق الباب، لتجده يمشي جيئة وذهابا أمام النافذة.
قال دون أن يرفع ناظره، بينما وقفت في مكانها محدقة إليه: «مرحبا يا نيللي.» «اسمع يا جورج، هذا لا يمكن أن يستمر.» «لم؟» «لقد سئمت التظاهر الدائم والخيانة.» «لم يكتشف أحد أي شيء، أليس كذلك؟» «أوه، بالطبع بلى.»
اقتربت منه وعدلت ربطة عنقه. قبلها برفق على فمها. كانت ترتدي فستانا مزركشا من الموسلين ذا ياقة بنفسجية محمرة وتحمل مظلة زرقاء في يدها. «كيف الحال يا جورج؟» «رائع. أتعلمين أنكما جلبتما لي الحظ؟ لقد حصلت على بعض القضايا الجيدة التي أعمل عليها الآن وكونت علاقات قيمة للغاية.» «أما أنا فلم أكن محظوظة. لم أجرؤ على الذهاب للاعتراف بعد. سيظن القس أنني كفرت.» «كيف حال جاس؟» «أوه، منهمك في خططه ... قد تظن أنه قد كسب المال؛ فقد تملكه الغرور بالأمر.» «اسمعي يا نيللي، ما رأيك أن تتركي جاس وتأتي للعيش معي؟ يمكنك الحصول على الطلاق ويمكننا أن نتزوج ... سيكون كل شيء على ما يرام هكذا.» «مستحيل ... أنت لا تعني ما تقول على أي حال.» «لكن الأمر كان يستحق يا نيللي، صدقا لقد كان كذلك.» وضع ذراعيه حولها وقبل شفتيها المغلقتين. دفعته بعيدا. «لن آتي هنا مجددا على أي حال ... أوه، لقد كنت سعيدة للغاية وأنا أصعد الدرج وأفكر في رؤيتك ... لقد أخذت أتعابك وانتهى جميع ما بيننا من عمل.»
لاحظ أن التجاعيد الصغيرة حول جبهتها قد فردت. وعلقت خصلة شعر فوق إحدى عينيها. «يجب ألا نفترق بهذه القسوة يا نيللي.» «هلا أخبرتني لم؟» «لأننا تحاببنا.» «لن أبكي.» ربتت على أنفها بمنديل صغير ملفوف. «سأكرهك يا جورج ... وداعا.» طقطق الباب بقوة خلفها.
جلس بالدوين إلى المكتب ومضغ نهاية قلم رصاص. ظلت رائحة خافتة لشعرها في فتحتي أنفه. كان حلقه يابسا ومتكتلا. سعل. فسقط القلم من فمه. مسح عنه لعابه بمنديل وعدل من جلسته على كرسيه. أصبحت الفقرات المكتظة لكتاب القانون واضحة بعد أن كانت ضبابية. نزع الورقة التي كتبها عن دفتر المذكرات وشبكها أعلى كومة من المستندات. وشرع كاتبا في الصفحة الجديدة: قرار المحكمة العليا لولاية نيويورك ... اعتدل فجأة على كرسيه، وأخذ يعضعض نهاية القلم مرة أخرى. سمعت من الخارج الصافرة الخانقة اللامتناهية لعربة الفول السوداني. قال عاليا: «أوه حسنا، هذا كل شيء.» واصل الكتابة بخط يد عادي منبسط. قضية باترسون ضد ولاية نيويورك ... حكم المحكمة ... •••
جلس بود إلى النافذة في نقابة البحارة يقرأ جريدة ببطء وعناية . وكان بجواره رجلان بوجنات كاللحم النيئ في توردها كانت قد حلقت لتوها، منحشرين في ياقتين بيضاوين وبذلتين جاهزتين من الصوف، كانا يلعبان الشطرنج متثاقلين. دخن أحدهما غليونا أصدر القليل من صوت قوقأة عندما كان يسحب الدخان منه. تساقط المطر بالخارج بلا توقف على ميدان متلألئ فسيح. •••
فليحي بانزاي، هكذا صاح الرجل الأشيب الصغير البنية من الفصيلة الرابعة للمهندسين العسكريين عندما تقدموا لإصلاح الجسر فوق نهر يالو ... المراسل الخاص لصحيفة «ذا نيويورك هيرالد» ... •••
قال الرجل ذو الغليون: «مات الشاه.» «تبا لهذا كله، لنذهب لتناول الشراب. فلا يصح أن نجلس هنا في هذه الليلة دون أن نسكر.» «لقد وعدت المرأة العجوز ...» «دعك من هذا الهراء يا جيس، أعرف نوعية وعودك.» لملمت يد قرمزية كبيرة يكسوها بكثافة الشعر الأصفر قطع الشطرنج في صندوقها. «أخبر المرأة العجوز أنه كان عليك أن تأخذ رشفة بسبب حرارة الجو.» «تلك ليست كذبة أيضا.»
شاهد بود ظليهما متحدبا في المطر وهما يمران أمام النافذة. «ما اسمك؟»
Page inconnue