ضحكا. «يا إلهي، أنا سعيد أنني لم أمت، ألست كذلك أنت أيضا يا إيلي؟» «لا أعرف. اسمع، هذا منزلي. لا أريدك أن تصعد إليه ... سأذهب إلى النوم مباشرة. أشعر بالاستياء ...» وقف جيمي خالعا قبعته ينظر إليها. كانت تتعثر بحثا عن مفتاحها في حقيبتها. «اسمع يا جيمي، يجب أن أخبرك كذلك ...» مضت نحوه وتحدثت سريعا وقد أشاحت بوجهها عنه وأشارت إليه بالمفاتيح التي ومض بها مصباح الشارع. كان الضباب كخيمة حولهما. «سأنجب طفلا ... إنه طفل ستان. سوف أتخلى عن كل هذه الحياة السخيفة وأربيه. لا يهمني ما يحدث.» «يا إلهي، هذا أشجع شيء على الإطلاق سمعت أن امرأة تفعله ... أوه يا إيلي، أنت رائعة جدا. يا إلهي، لو كان بإمكاني أن أخبرك ما أنا ...» «أوه لا.» انكسر صوتها وامتلأت عيناها بالدموع. «أنا سخيف أحمق، هذا كل شيء.» جعدت وجهها كطفل صغير وركضت صاعدة الدرج والدموع تنهمر على وجهها. «أوه يا إيلي، أريد أن أقول لك شيئا ...»
انغلق الباب خلفها.
وقف جيمي هيرف ساكنا عند أسفل الدرجات المصنوعة من الحجر الأسمر الرملي. خفق قلبه. أراد أن يكسر الباب وراءها. ركع على ركبتيه وقبل مكان خطوتها. دار الضباب في دوامات وامضا بألوان كقصاصات ورقية من حوله. ثم انحسر شعور الخفقان وشعر بنفسه يسقط في بالوعة سوداء. وقف ساكنا. تفقدت وجهه وهو يمر عينا شرطي أشبه بعمود أزرق بدين يلوح بعصا ليلية. ثم شد قبضتيه فجأة وغادر المكان. قال عاليا: «يا إلهي، كل شيء كالجحيم.» مسح الحصى عن شفتيه بكم معطفه. •••
وضعت يدها في يده لتقفز من السيارة السريعة عندما تنطلق العبارة، قائلة: «شكرا يا لاري»، وتتبع جسده الطويل المتمهل إلى مقدمة العبارة. تنفخ رياح نهرية خافتة الغبار والبنزين من أنفيهما . في سماء الليل المزينة بنجوم كاللآلئ، كانت الإطارات المربعة للمنازل على طول الضفة المقابلة تومض كألعاب نارية مشتعلة. تضرب الأمواج صغيرة مقدمة العبارة المندفعة. يعزف رجل أحدب موسيقى «ماريانيلا» على كمانه.
يقول لاري بصوت مطنطن عميق: «لا شيء ينجح مثل النجاح.» «لو كنت تعلم مدى عدم اهتمامي بأي شيء الآن لما كنت قد واصلت مضايقتي بكل هذه الكلمات ... أعني الزواج، والنجاح، والحب، إنها مجرد كلمات.» «لكنها تعني كل شيء في العالم بالنسبة إلي ... أظنك ستحبين مدينة ليما يا إلين ... انتظرت حتى تكوني حرة، أليس كذلك؟ والآن ها أنا هنا.» «مطلقا ليس أحد منا كذلك ... لكني فقط أشعر بالخدر.» رياح النهر قليلة الملوحة. على طول الجسر فوق شارع 125، تزحف السيارات كالخنافس. عندما تدخل العبارة المنزلق، يسمعان سحق العجلات وقعقعتها على الأسفلت. «حسنا، من الأفضل أن نعود إلى السيارة، أيتها المخلوقة الرائعة إلين.» «إنه لأمر شائق بعد يوم طويل، أليس كذلك يا لاري، العودة إلى مركز كل شيء؟» •••
بجانب الباب الأبيض الملطخ يوجد زرا ضغط مكتوب عليهما «جرس الليل» و«جرس النهار». ضغطت على الزر بإصبع مهتز. فتح الباب رجل قصير وعريض بوجه كوجه جرذ وشعر أسود أملس مسترسل. كان على كلا جانبيه يد قصيرة كيد دمية وبلون الفطر. حدب كتفيه منحنيا. «هل أنت تلك السيدة؟ ادخلي.» «هل أنت الدكتور أبراهامز؟» «نعم ... أنت السيدة التي هاتفني صديقي بشأنها. اجلسي يا سيدتي العزيزة.» تفوح من المكتب رائحة كرائحة زهرة العطاس. يهتز قلبها بين ضلوعها يأسا. «أنت تفهم ...» تكره الرعشة في صوتها؛ ستفقد الوعي. «أنت تفهم يا دكتور أبراهامز أن ذلك ضروري للغاية. فأنا سأطلق من زوجي ويتعين علي أن أكسب قوتي بنفسي.» «صغيرة جدا، تعيسة في زواجك ... يؤسفني ذلك.» يخرخر الطبيب بهدوء كما لو كان وحده. تنهد مهسهسا ونظر إلى عينيها فجأة بعينين سوداوين حادتين يخترقانها كما لو كانا مثقابين. «لا تخافي يا سيدتي العزيزة، إنها عملية بسيطة جدا ... هل أنت مستعدة الآن؟» «نعم. لن تستغرق وقتا طويلا، أليس كذلك؟ إن استطعت أن أتمالك نفسي، فإن لدي موعدا لتناول الشاي في الخامسة.» «أنت شابة شجاعة. في غضون ساعة سيغدو الأمر منسيا ... يؤسفني ... إنه لأمر محزن أن يكون شيء كهذا ضروريا ... سيدتي العزيزة، يجب أن تنعمي بمنزل والعديد من الأطفال وزوج محب ... هلا دخلت غرفة العمليات وأعددت نفسك ... إنني أعمل بلا مساعد.»
تتضخم براعم الضوء اللافحة في وسط السقف، وتنشر النيكل الحاد كالشفرات، والمينا، وعلبة زجاجية حادة براقة تحتوي على أدوات حادة. تخلع قبعتها وتترك نفسها تغوص متقززة ومرتعشة على كرسي صغير من المينا. ثم تنهض متيبسة على قدميها وتفك حزام تنورتها.
يتكسر هدير الشوارع كالأمواج حول صدفة من ألم واجف. تشاهد ميل قبعتها الجلدية، ومسحوق التجميل، والوجنتين المتوردتين، والشفاه القرمزية التي تشكل قناعا على وجهها. جميع أزرار قفازيها مقفلة. ترفع يدها. «تاكسي!» مرت سيارة إطفاء زائرة، وعربة بها رجال بوجوه متعرقة يشدون معاطف مطاطية، وصلصلة خطاف وسلم. تتلاشى جميع مشاعرها مع تلاشي دوي صافرة الإنذار. هناك تمثال خشبي لأحد الهنود الحمر، مطلي، ويده مرفوعة عند ناصية الشارع. «تاكسي!» «نعم، سيدتي.» «اتجه إلى فندق الريتز.»
الجزء الثالث
الفصل الأول
Page inconnue