تنبيه
نلفت القراء إلى أننا في هذا الكتاب إنما نعمل على إسقاط
فكرة خطيرة، وإذا هي قامت اليوم بفلان الذي نعرفه فقد تكون غدًا
في من لا نعرفه، ونحن نرد على هذا وعلى هذا برد سواء، لا
جهلُنا من نجهله يلطف منه، ولا معرفتنا من نعرفه تبالغ فيه.
والفكرة لا تسمى بأسماء الناس، وقد تكون لألف سنة خلَت
ثم تعود بعد ألف سنة تأتي، فما توصف من بعد إلا كما وُصفت
من قبل ما دام موقعها في النفس لم يتغير، ولا نظنه سيأتي يوم
يُذكر فيه إبليس فيقال: ﵁.
ونحن مستيقنون أن ليس في جدال من نجادلهم عائدة على
أنفسهم، إذ هم لا يضلون إلا بعلم وعلى بينة! فمن ثم نزعنا في
أسلوب الكتاب إلى مَنحى بياني نديره على سياسة من الكلام
بعينها، فإن كان فيه من الشدة أو العنف أو القول المؤلم أو
التهكم، فما ذلك أردنا، ولكنا كالذي يصف الرجل الضال ليمنع
المهتدي أن يضل، فما به زَجر الأول بل عظة الثاني، ولهذا في
مناحي البيان أسلوب ولذلك أسلوب غيره، ألا وإن أقبح من القبح
ما جهله يسمى قبحًا، وان أحسن من الحسن ما جهله حسنًا، ولكل
معنى باعتباره موضع، ولكل موضع في حقه وصف ولكل وصف
في غرضه تعبير، ولكل تعبير أسلوبه وطريقته، فهذا ما ننبه إليه.
ولو كان أصحابنا غير مَن هم في الأثر والمنزلة لكان أسلوبنا
غير ما هو في النمط والعبارة، والسلام.
الرافعي
1 / 5