الجديد بعد حين من الدهر مذهبًا قديمًا فيُستحدَث منه جديد على نمط آخر.
ثم يتقادم* هذًا أيضًا على السنة نفسها، وهلم إلى أن تصير هذه العربية في بعض أزمانها لعنةَ على كل أزمانها، فتُنسخ جملة واحدة ويصبح الكلام المأنوس الذي تراه اليوم سهلًا لينًا وهو الجاسِي الجِلف الغليظ الذي يحسن ترجمته يومئذ إلى عالم بصير بما كان يسمى من قبل فعلًا واسمًا وحرفًا.،. وإلا فليقل لنا أصحاب المذهب الجديد. ما هو حدُّ التجديد عندهم؛ ولم يقصرونه على حد معين؛ بل كيف يقصرونه وفي الناس من هو أضعف من ضعيفهم فوجب أن يكون له جديد من جديدهم على مقدار صعفه، ما دام شكل القياس واحدا والقضية فيه واحدة والعلة لا تختلف!
وأما الثانية، فإن هذه العربية لغة دين قائم على أصل خالد هو القرآن
الكريم، وقد أجمع الأولون والآخرون على إعجازه بفصاحته، إلا من لا حَفل
به من زنديق يتجاهل أو جاهل يتزندق. فإذا كان المعجِز فى لغة من اللغات
بإجماع علمائها وأدبائها هو من قديمها خاصة، فهل يكون الْجديد فيها كمالًا
يسمو أم نقصًا يتدلي؟ . . .
. . . ثم إن فصاحة القرآن يجب أن تبقى مفهومة، ولا يدنو الفهم منها إلا
بالمِران والمزاولة ودرس الأساليب الفصحى والاحتذاء عليها وأحكام - اللغة
والبصر بدقائقها وفنون بلاغتها والحرص على سلامة الذوق فيها، وكل هذا مما يجعل الترخص في هذه اللغة وأساليبها، ضربًا من الفساد والجهل، فلا تزال اللغة كلها مذهبًا قديمًا، وإنما يكون المذهب الجديد فيها رجلًا إلى حين. . . ثم يدخل مذهبه القبر. . .
. . . وما عسى أن يصنع كاتب وعشرة ومائة وألف في لغة يخفق على
كتابها المعجز - أربعمائة مليون قلب؛ وكم من أسلوب ركيك أو ضعيف أو عامي ظهر في هذه اللغة منذ دَونوا وكتبوه، وكم، من فكر فاسد أو زائغ أو مدخول، وكم من كتاب كان يصلح أن يسمى بلغة اليوم مذهبًا جديدًا - فأين كل ذلك وأين أثره في اللغة وأساليبها بعد ثلاثة عشر قرنًا؛ لقد ابتلعته ثلاث عشرة موجة فانحدر إلى أعماق الموت الطامي! . . . .
. . . على أني رأيت لأصحاب "المذهب الجديد" أصلًا في تاريخ الأدب
البربي، وكانت جذوره ممن انتحلوا الإسلام وهم يدينون بغيره، وممن كانوا
يدينون وتزندقوا فيه، حتى قال الجاحظ في بعض رسائله - يعني هؤلاء
1 / 16