تَحْسِين الْفِرَاق
قَالَ بعض الظرفاء: فِي الْفِرَاق مصافحة التَّسْلِيم، ورجاء الأوبة، والسلامة من الْملَل، وَعمارَة الْقلب بالشوق، والأنس بالمكاتبة. وَكتب أَبُو عبد الله الزنْجِي الْكَاتِب: جزى الله الْفِرَاق عَنَّا خيرا، فَإِنَّمَا هُوَ زفرَة وعبرة، ثمَّ اعتصام وتوكل، ثمَّ تأميل، وتوقع. وقبح الله التلاقي، فَإِنَّمَا هُوَ مَسَرَّة لَحْظَة ومساءة أَيَّام، وابتهاج سَاعَة واكتئاب زمَان. وَكتب أَحْمد بن سعد؛ إِنِّي لأكْره الِاجْتِمَاع محاذرة الْفِرَاق وَقصر السرُور. وَمَعَ الْفِرَاق غمَّة يخفيها توقع إسعاف النَّوَى، وتأميل الأوبة والرجعى. وَكتب آخر: لَو قلت إِنِّي لم أجد للرحيل ألمًا وللبين حرقة لَقلت حَقًا. لِأَنِّي نلْت فِي سَاعَة الْفِرَاق من طيب اللِّقَاء وَأنس العناق، مَا كَانَ مَعْدُوما أَيَّام التلاقي. وَكَانَ أَبُو بكر الْخَوَارِزْمِيّ يَقُول: من أَرَادَ أَن يسمع مَا يقطر مِنْهُ مَاء الطّرف فليستنشد قَول مُحَمَّد بن أبي مُحَمَّد اليزيدي فِي تَحْسِين الْفِرَاق: لَيْسَ عِنْدِي شحط النَّوَى بعظيم ... فِيهِ غم، وَفِيه كشف غموم من يكن يكره الْفِرَاق، فَإِنِّي ... أشتهيه لموْضِع التَّسْلِيم إِن فِيهِ اعتناقة لوداع ... ورجاء اعتناقة لقدوم
1 / 34