وقد ظهرت شخصية القاضي الأرموي ﵀ في اختصار المحصول في التبويب بالتقسيم، فكانت في غاية الدقة. فقد أحسن تنظيم الكتاب وتقسيمه إلى أبوابٍ وفصول ومسائل، وكثيرًا ما كان يذيّل المسائل إما بتفريعات أو بتنبيهات.
وقد أكثر القاضي الأرموي ﵀ في تقسيماته وتعداد بعض الأمور من استعمال الحروف. وكان يستعملها بشكل عجيب لم يسبق لي الاطّلاع على مثله، حيث كان يركب الحروف الهجائية لتدل على الأرقام، ففي باب التراجيح ركّب حرفًا لتدل على ستةٍ وستين نوعًا.
وبرزت شخصية القاضي الأرموي ﵀ في التحصيل كمتكلمٍ ممسك بناصية فنه، عالم بأبعاده ومراميه خبير بدقائقه وخباياه. فظهر ذلك في الإِضافات الدقيقة والملاحظات اللطيفة التي أوردها على أدلة الإِمام الرازي في المحصول، والتي بينّاها في الجزء التحقيقي بيانًا شافيًا. وظهرت دقة علمه في ترتيب الأدلة، حيث كان في بعض الأحيان يقدم بعض الأدلة، ويؤخر أُخرى، وبعد السبر وجدت أن هذا لم يكن عبثًا، بل لأنه لمّح أن بعضها أقوى من الآخر فقدّم الأقوى. والإِضافات الدقيقة لبعض التعاريف وحذْف بعض الألفاظ منها لسد الخلل فيها، ومنع توجه الاعتراض عليها أيضًا يدل على مدى تمكنه من فنه. ومن ذلك ما تقدم ذكره من إضافة "مثل" و"ظن" لتعريف أبي الحسين البصري للقياس، لاحتمال ورود اعتراضين عليه وهما أن الحكم الحادث في الفرع ليس عين الحكم الموجود في الأصل، ولكي لا يدخل القياس الفاسد. ومن ذلك أيضًا استبداله كلمة "يعلم" بكلمة "يعرف" في تعريفه الفقه عند العلماء، وذلك لاحتمال ورود اعتراض عليه، وهو أن الفقه من باب الظنون فكيف يجعل علمًا؟.
وظهرت شخصية القاضي الأرموي ﵀ في سلامة لغته، مع أنه أعجمي ولد في أذربيجان، ونشأ وترعرع فيها، ثم كانت دراسته على بني قومه من الأكراد ثم ختم حياته بالإِقامة في بلاد الروم، وكانت السلطة الحاكمة التى يعيش في ظلها سلجوقية ومع هذا كله، كانت لغته سليمة لا