79

La délivrance et l'illumination

التحرير والتنوير

Maison d'édition

الدار التونسية للنشر

Lieu d'édition

تونس

قَوْلِهِ- قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ [آل عمرَان: ٧٢، ٧٣] فَقَوْلُهُ: قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ جملَة مُعْتَرضَة. وقُوف الْقُرْآن الْوَقْفُ هُوَ قَطْعُ الصَّوْتِ عَنِ الْكَلِمَةِ حِصَّةً يَتَنَفَّسُ فِي مِثْلِهَا الْمُتَنَفِّسُ عَادَةً، وَالْوَقْفُ عِنْدَ انْتِهَاءِ جُمْلَةٍ مِنْ جُمَلِ الْقُرْآنِ قَدْ يَكُونُ أَصْلًا لِمَعْنَى الْكَلَامِ فَقَدْ يَخْتَلِفُ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِ الْوَقْفِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمرَان: ١٤٦] فَإِذَا وَقَفَ عِنْد كلمة قاتَلَ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ قَتَلَهُمْ قَوْمُهُمْ وَأَعْدَاؤُهُمْ، وَمَعَ الْأَنْبِيَاءِ أَصْحَابُهُمْ فَمَا تَزَلْزَلُوا لِقَتْلِ أَنْبِيَائِهِمْ فَكَانَ الْمَقْصُودُ تَأْيِيسَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وَهَنِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى فَرْضِ قَتْلِ النَّبِيءِ ﷺ فِي غَزْوَتِهِ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي خِطَابِ الْمُسْلِمِينَ: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ [آل عمرَان: ١٤٤] الْآيَةَ، وَإِذَا وصل قَوْله: قاتَلَ عِنْدَ قَوْلِهِ كَثِيرٌ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ قُتِلَ مَعَهُمْ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى فَمَا وَهَنَ مَنْ بَقِيَ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتًا إِلَى قَوْلِهِ: وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [آل عمرَان: ١٦٩، ١٧٠] . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ [آل عمرَان: ٧] الْآيَةَ، فَإِذَا وُقِفَ عِنْدَ قَوْلِهِ: إِلَّا اللَّهُ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَشَابِهَ الْكَلَامُ الَّذِي لَا يَصِلُ فَهْمُ النَّاسِ إِلَى تَأْوِيلِهِ وَأَنَّ عِلْمَهُ مِمَّا اخْتَصَّ اللَّهُ بِهِ مِثْلَ اخْتِصَاصِهِ بِعِلْمِ السَّاعَةِ وَسَائِرِ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ وَكَانَ مَا بَعْدَهُ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ يُفِيدُ أَنَّ الرَّاسِخِينَ يُفَوِّضُونَ فَهْمَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا وُصِلَ قَوْلُهُ: إِلَّا اللَّهُ بِمَا بَعْدَهُ كَانَ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ فِي حَالِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ. وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطَّلَاق: ٤] فَإِنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ: ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَقَعَ قَوْلُهُ: وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطَّلَاق: ٤] مَعْطُوفًا عَلَى اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ فَيَصِيرُ قَوْلُهُ: أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ خَبَرًا عَنْ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ وَلَكِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إِذْ كَيفَ يكون للّاء لَمْ يَحِضْنَ حَمْلٌ حَتَّى يَكُونَ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ.

1 / 82