228

La délivrance et l'illumination

التحرير والتنوير

Maison d'édition

الدار التونسية للنشر

Lieu d'édition

تونس

وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ.
الْإِقَامَةُ مَصْدَرُ أَقَامَ الَّذِي هُوَ مُعَدَّى قَامَ، عُدِّيَ إِلَيْهِ بِالْهَمْزَةِ الدَّالَّة على الْجعل، وَالْإِقَامَةُ جَعْلُهَا قَائِمَةً، مَأْخُوذٌ مِنْ قَامَتِ السُّوقُ إِذَا نَفَقَتْ وَتَدَاوَلَ النَّاسُ فِيهَا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ تَصْرِيحُ بَعْضِ أَهْلِ اللِّسَانِ بِهَذَا الْمُقَدَّرِ. قَالَ أَيْمَنُ ابْن خريم الأنطري (١):
أَقَامَتْ غَزَالَةُ سُوقَ الضِّرَابْ ... لِأَهْلِ الْعِرَاقَيْنِ حَوْلًا قَمِيطًا
وَأَصْلُ الْقِيَامِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الِانْتِصَابُ الْمُضَادُّ لِلْجُلُوسِ وَالِاضْطِجَاعِ، وَإِنَّمَا يَقُومُ الْقَائِمُ لِقَصْدِ عَمَلٍ صَعْبٍ لَا يَتَأَتَّى مِنْ قُعُودٍ، فَيَقُومُ الْخَطِيبُ وَيَقُومُ الْعَامِلُ وَيَقُومُ الصَّانِعُ وَيَقُومُ الْمَاشِي فَكَانَ لِلْقِيَامِ لَوَازِمٌ عُرْفِيَّةٌ مَأْخُوذَةٌ مِنْ عَوَارِضِهِ اللَّازِمَةِ وَلِذَلِكَ أُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى النَّشَاطِ فِي قَوْلِهِمْ قَامَ بِالْأَمْرِ، وَمِنْ أَشْهَرِ اسْتِعْمَالِ هَذَا الْمَجَازِ قَوْلِهِمْ قَامَتِ السُّوقُ وَقَامَتِ الْحَرْبُ، وَقَالُوا فِي ضِدِّهِ رَكَدَتْ وَنَامَتْ، وَيُفِيدُ فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعْنًى مُنَاسِبًا لِنَشَاطِهِ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ وَشَاعَ فِيهَا حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ فَصَارَتْ كَالْحَقَائِقِ وَلِذَلِكَ صَحَّ بِنَاءُ الْمَجَازِ الثَّانِي وَالِاسْتِعَارَةِ عَلَيْهَا، فَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ شَبَّهَتِ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالْعِنَايَةَ بِهَا بِجَعْلِ الشَّيْءِ قَائِمًا، وَأَحْسَبُ أَنَّ تَعْلِيقَ هَذَا
الْفِعْلِ بِالصَّلَاةِ مِنْ مُصْطَلَحَاتِ الْقُرْآنِ وَقَدْ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فِي أَوَائِلِ نُزُولِهِ فَقَدْ وَرَدَ فِي سُورَةِ الْمُزَّمِّلِ [٢٠]: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَهِيَ ثَالِثَةُ السُّوَرِ نُزُولًا. وَذَكَرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» وُجُوهًا أُخَرَ بَعِيدَةً عَنْ مَسَاقِ الْآيَةِ.
وَقَدْ عَبَّرَ هُنَا بِالْمُضَارِعِ كَمَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ: يُؤْمِنُونَ لِيَصْلُحَ ذَلِكَ لِلَّذِينَ أَقَامُوا الصَّلَاةَ فِيمَا مَضَى وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ قَبْلِ نُزُولِ الْآيَةِ، وَالَّذِينَ هُمْ بِصَدَدِ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَهُمُ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ، وَالَّذِينَ سَيَهْتَدُونَ إِلَى ذَلِكَ وَهُمُ الَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ إِذِ الْمُضَارِعُ صَالِحٌ لِذَلِكَ كُلِّهِ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَ الصَّلَاةَ فِي الْمَاضِي فَهُوَ يَفْعَلُهَا الْآنَ وَغَدًا، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا فَهُوَ إِمَّا يَفْعَلُهَا الْآنَ أَوْ غَدًا وَجَمِيعُ أَقْسَامِ هَذَا النَّوْعِ جُعِلَ الْقُرْآنُ هُدًى لَهُمْ. وَقَدْ حَصَلَ مِنْ إِفَادَةِ الْمُضَارِعِ التَّجَدُّدَُ

(١) أَيمن بن خريم بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة المضمومة وَالرَّاء الْمَفْتُوحَة من قصيدة يحرض أهل الْعرَاق على قتال الْخَوَارِج، وَيذكر غزالة بنت طريف زَوْجَة شبيب الْخَارِجِي كَانَت تولت قيادة الْخَوَارِج بعد قتل زَوجهَا وحاربت الْحجَّاج عَاما كَامِلا ثمَّ قتلت وَأول القصيدة:
أَبى الْجُبَنَاء من أهل الْعرَاق ... على الله وَالنَّاس إِلَّا سقوطا

1 / 231