La délivrance et l'illumination
التحرير والتنوير
Maison d'édition
الدار التونسية للنشر
Lieu d'édition
تونس
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى أَشْرَفِ الْمُرْسَلِينَ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى أَنْ بَيَّنَ لِلْمُسْتَهْدِينَ مَعَالِمَ مُرَادِهِ، وَنَصَبَ لِجَحَافِلِ الْمُسْتَفْتِحِينَ أَعْلَامَ أَمْدَادِهِ فَأَنْزَلَ الْقُرْآنَ قَانُونًا عَامًّا مَعْصُومًا، وَأَعْجَزَ بِعَجَائِبِهِ فَظَهَرَتْ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمُهَيْمِنًا، وَمَا فَرَّطَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ يَعِظُ مُسِيئًا وَيَعِدُ مُحْسِنًا، حَتَّى عَرَفَهُ الْمُنْصِفُونَ مِنْ مُؤْمِنٍ وَجَاحِدٍ، وَشَهِدَ لَهُ الرَّاغِبُ وَالْمُحْتَارُ وَالْحَاسِدُ، فَكَانَ الْحَالُ بِتَصْدِيقِهِ أَنْطَقَ مِنَ اللِّسَانِ، وَبُرْهَانُ الْعَقْلِ فِيهِ أَبْصَرَ مِنْ شَاهِدِ الْعِيَانِ، وَأَبْرَزَ آيَاتِهِ فِي الْآفَاقِ فَتَبَيَّنَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحَقُّ، كَمَا أَنْزَلَهُ عَلَى أَفْضَلِ رَسُولٍ فَبَشَّرَ بِأَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ، فَبِهِ أَصْبَحَ الرَّسُولُ الْأُمِّيُّ سَيِّدَ الْحُكَمَاءِ الْمُرَبِّينَ، وَبِهِ شُرِحَ صَدْرُهُ إِذْ قَالَ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النَّمْل: ٧٩]، فَلَمْ يَزَلْ كِتَابُهُ مُشِعًّا نَيِّرًا، مَحْفُوظًا مِنْ لَدُنْهُ أَنْ يُتْرَكَ فَيَكُونَ مُبَدَّلًا وَمُغَيَّرًا.
ثُمَّ قَيَّضَ لِتَبْيِينِهِ أَصْحَابَهُ الْأَشِدَّاءَ الرُّحَمَاءَ، وَأَبَانَ أَسْرَارَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْأُمَّةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، فَصَلَاةُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَى رَسُولِهِ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ نُجُومِ الِاقْتِدَاءِ لِلسَّائِرِينَ وَالْمَاخِرِينَ (١) .
أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ كَانَ أَكْبَرَ أُمْنِيَتِي مُنْذُ أَمَدٍ بَعِيدٍ، تَفْسِيرُ الْكِتَابِ الْمَجِيدِ، الْجَامِعُ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ، وَمَوْثِقٌ شَدِيدُ الْعُرَى مِنَ الْحَقِّ الْمَتِينِ، وَالْحَاوِي لِكُلِّيَّاتِ الْعُلُومِ وَمَعَاقِدِ اسْتِنْبَاطِهَا، وَالْآخِذُ قَوْسَ الْبَلَاغَةِ مِنْ مَحَلِّ نِيَاطِهَا ; طَمَعًا فِي بَيَانِ نُكَتٍ مِنَ الْعِلْمِ وَكُلِّيَّاتٍ مِنَ التَّشْرِيعِ، وَتَفَاصِيلَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، كَانَ يلوح أُنْمُوذَج مِنْ جَمِيعِهَا فِي خِلَالِ تَدَبُّرِهِ، أَوْ مُطَالَعَةِ كَلَامِ مُفَسِّرِهِ، وَلَكِنِّي كُنْتُ عَلَى كَلَفِي بِذَلِكَ أَتَجَهَّمُ التَّقَحُّمَ عَلَى هَذَاُِِ
_________
(١) قَالَ رَسُول الله ﷺ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِم اقْتَدَيْتُمْ اهْتَدَيْتُمْ»
فبنيت على هَذَا التَّشْبِيه تَشْبِيه المهتدين بهم بفريقين: فريق سائرون فِي الْبر- وَفِي ذَلِك تَشْبِيه عَمَلهم فِي الإهداء، وَهُوَ اتِّبَاع طَرِيق السّنة بالسير فِي طرق الْبر- وفريق ماخرون أَي سائرون فِي الْفلك المواخر فِي الْبَحْر، وتضمن ذَلِك تَشْبِيه عَمَلهم فِي الإهداء وَهُوَ الْخَوْض فِي الْعُلُوم بالمخر فِي الْبَحْر، وَمن ذَلِك الْإِشَارَة إِلَى أَن الْعلم كالبحر كَمَا هُوَ شَائِع، وَأَن السّنة كالسبيل الْمبلغ للمقصود.
(٢) أُشير بِهَذَا إِلَى أَن المهم من كَلَام الْمُفَسّرين يرشد إِلَى الزِّيَادَة على مَا ذَكرُوهُ، وَالَّذِي دون ذَلِك من كَلَامهم يُنَبه إِلَى تَقْوِيم مَا ذَكرُوهُ، والمفسر هُنَا مُرَاد بِهِ الْجِنْس.
1 / 5