La délivrance et l'illumination

Mohamed Tahar Ben Achour d. 1393 AH
13

La délivrance et l'illumination

التحرير والتنوير

Maison d'édition

الدار التونسية للنشر

Lieu d'édition

تونس

وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ مَسْلَكَ النَّظَرِ كَأَبِي إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِ وَأَبِي عَلِيٍّ الْفَارِسِيِّ، وَشُغِفَ كَثِيرٌ بِنَقْلِ الْقِصَصِ عَنِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، فَكَثُرَتْ فِي كُتُبِهِمُ الْمَوْضُوعَاتُ، إِلَى أَنْ جَاءَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ عَالِمَانِ جَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا بِالْمَشْرِقِ، وَهُوَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْقَاسِمِ مَحْمُودٌ الزَّمَخْشَرِيُّ، صَاحِبُ «الْكَشَّافِ»، الآخر بِالْمَغْرِبِ بِالْأَنْدَلُسِ وَهُوَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ بْنُ عَطِيَّةَ، فَأَلَّفَ تَفْسِيرَهُ الْمُسَمَّى بِ «الْمُحَرر الْوَجِيز»، كلا هما يَغُوصُ عَلَى مَعَانِي الْآيَاتِ، وَيَأْتِي بِشَوَاهِدِهَا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَيَذْكُرُ كَلَامَ الْمُفَسِّرِينَ إِلَّا أَنَّ مَنْحَى الْبَلَاغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ بِالزَّمَخْشَرِيِّ أَخَصُّ، وَمَنْحَى الشَّرِيعَةِ عَلَى ابْنِ عَطِيَّة أغلب، وكلا هما عِضَادَتَا الْبَابِ، ومرجع من بعد هما مَنْ أُولِي الْأَلْبَابِ. وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُفَسِّرِينَ بِالْخَوْضِ فِي بَيَانِ مَعْنَى التَّأْوِيلِ، وَهَلْ هُوَ مُسَاوٍ لِلتَّفْسِيرِ أَوْ أَخَصُّ مِنْهُ أَوْ مُبَايِنٌ؟ وَجِمَاعُ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَعَلَهُمَا مُتَسَاوِيَيْنِ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ ثَعْلَبٌ وَابْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الرَّاغِبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَ التَّفْسِيرَ لِلْمَعْنَى الظَّاهِرِ وَالتَّأْوِيلَ لِلْمُتَشَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: التَّأْوِيلُ صَرْفُ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِ مَعْنَاهُ إِلَى مَعْنًى آخَرَ مُحْتَمَلٍ لِدَلِيلٍ فَيَكُونُ هُنَا بِالْمَعْنَى الْأُصُولِيِّ، فَإِذَا فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ [الرّوم: ١٩] بِإِخْرَاجِ الطَّيْرِ مِنَ الْبَيْضَةِ، فَهُوَ التَّفْسِيرُ، أَوْ بِإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ فَهُوَ التَّأْوِيل، وَهنا لَك أَقْوَالٌ أُخَرُ لَا عِبْرَةَ بِهَا، وَهَذِهِ كُلُّهَا اصْطِلَاحَاتٌ لَا مُشَاحَّةَ فِيهَا إِلَّا أَنَّ اللُّغَةَ وَالْآثَارَ تَشْهَدُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ التَّأْوِيلَ مَصْدَرُ أَوَّلَهُ إِذَا أَرْجَعَهُ إِلَى الْغَايَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالْغَايَةُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ اللَّفْظِ هُوَ مَعْنَاهُ وَمَا أَرَادَهُ مِنْهُ الْمُتَكَلِّمُ بِهِ مِنَ الْمَعَانِي فَسَاوَى التَّفْسِيرَ، عَلَى أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى مَا فِيهِ تَفْصِيلُ مَعْنًى خَفِيٍّ مَعْقُولٍ قَالَ الْأَعْشَى: عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَأَوَّلُ حُبَّهَا ... تَأَوُّلَ رِبْعِيِّ السِّقَابِ فَأَصْحَبَا أَيْ تَبْيِينُ تَفْسِيرِ حُبِّهَا أَنَّهُ كَانَ صَغِيرًا فِي قَلْبِهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَشِبُّ حَتَّى صَارَ كَبِيرًا كَهَذَا السَّقْبِ أَيْ وَلَدِ النَّاقَةِ، الَّذِي هُوَ مِنَ السِّقَابِ الرَّبِيعِيَّةِ لَمْ يَزَلْ يَشِبُّ حَتَّى كَبِرَ وَصَارَ لَهُ وَلَدٌ يَصْحَبُهُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ [الْأَعْرَاف: ٥٣] أَيْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا بَيَانَهُ الَّذِي هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ، وَقَالَ ﷺ فِي دُعَائِهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ» ، أَيْ فَهْمَ مَعَانِي الْقُرْآنِ، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَاُ

1 / 16