La délivrance et l'illumination

Mohamed Tahar Ben Achour d. 1393 AH
10

La délivrance et l'illumination

التحرير والتنوير

Maison d'édition

الدار التونسية للنشر

Lieu d'édition

تونس

وَالتَّفْسِيرُ أَعْلَاهَا فِي ذَلِكَ، كَيْفَ وَهُوَ بَيَانُ مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ كَلَامِهِ، وَهُمْ قَدْ عَدُّوا الْبَدِيعَ عِلْمًا وَالْعَرُوضَ عِلْمًا وَمَا هِيَ إِلَّا تَعَارِيفُ لِأَلْقَابٍ اصْطِلَاحِيَّةٍ. وَالثَّالِثُ أَنْ نَقُولَ: التَّعَارِيفُ اللَّفْظِيَّةُ تَصْدِيقَاتٌ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْمُحَقِّقين فَهِيَ تؤول إِلَى قَضَايَا، وَتَفَرُّعُ الْمَعَانِي الْجَمَّةِ عَنْهَا نَزَّلَهَا مَنْزِلَةَ الْكُلِّيَّةِ، وَالِاحْتِجَاجُ عَلَيْهَا بِشِعْرِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِ يَقُومُ مَقَامَ الْبُرْهَانِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، وَهَذَا الْوَجْهُ يَشْتَرِكُ مَعَ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي تَنْزِيلِ مَبَاحِثِ التَّفْسِيرِ مَنْزِلَةَ الْمَسَائِلِ، إِلَّا أَنَّ وَجْهَ التَّنْزِيلِ فِي الْأَوَّلِ رَاجِعٌ إِلَى مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهَا، وَهُنَا رَاجِعٌ إِلَى ذَاتِهَا مَعَ أَنَّ التَّنْزِيلَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَهُنَا فِي شَرْطَيْنِ، لِأَنَّ كَوْنَهَا قَضَايَا إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى مَذْهَبِ بَعْضِ الْمَنْطِقِيِّينَ. الرَّابِعُ أَنْ نَقُولَ: إِنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ لَا يَخْلُو مِنْ قَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ فِي أَثْنَائِهِ مِثْلَ تَقْرِيرِ قَوَاعِدِ النَّسْخِ عِنْدَ تَفْسِيرِ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ [الْبَقَرَة: ١٠٦] وَتَقْرِيرِ قَوَاعِدِ التَّأْوِيلِ عِنْدَ تَقْرِيرِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ [آل عمرَان: ٧] وَقَوَاعِدِ الْمُحْكَمِ عِنْدَ تَقْرِيرِ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ [آل عمرَان: ٧]، فَسُمِّيَ مَجْمُوعُ ذَلِكَ وَمَا مَعَهُ عِلْمًا تَغْلِيبًا، وَقَدِ اعْتَنَى الْعُلَمَاءُ بِإِحْصَاءِ كُلِّيَّاتٍ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ، وَجَمَعَهَا ابْنُ فَارِسٍ، وَذَكَرَهَا عَنْهُ فِي «الْإِتْقَانِ» وَعُنِيَ بِهَا أَبُو الْبَقَاءِ الْكَفَوِيُّ فِي «كُلِّيَّاتِهِ»، فَلَا بِدْعَ أَنْ تُزَادَ تِلْكَ فِي وُجُوهِ شِبْهِ مَسَائِلِ التَّفْسِيرِ بِالْقَوَاعِدِ الْكُلِّيَّةِ. الْخَامِسُ: أَنَّ حَقَّ التَّفْسِيرِ أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى بَيَانِ أُصُولِ التَّشْرِيعِ وَكُلِّيَّاتِهِ فَكَانَ بِذَلِكَ حَقِيقًا بِأَنْ يُسَمَّى عِلْمًا وَلَكِن الْمُفَسّرين ابتدأوا بِتَقَصِّي مَعَانِي الْقُرْآنِ فَطَفَحَتْ عَلَيْهِمْ وَحَسَرَتْ دُونَ كَثْرَتِهَا قُوَاهُمْ، فَانْصَرَفُوا عَنِ الِاشْتِغَالِ بِانْتِزَاعِ كُلِّيَّاتِ التَّشْرِيعِ إِلَّا فِي مَوَاضِعَ قَلِيلَةٍ. السَّادِسُ - وَهُوَ الْفَصْلُ-: أَنَّ التَّفْسِيرَ كَانَ أَوَّلَ مَا اشْتَغَلَ بِهِ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِتَدْوِينِ بَقِيَّةِ الْعُلُومِ، وَفِيهِ كَثُرَتْ مُنَاظَرَاتُهُمْ وَكَانَ يَحْصُلُ مِنْ مُزَاوَلَتِهِ وَالدُّرْبَةِ فِيهِ لِصَاحِبِهِ مَلَكَةٌ يُدْرِكُ بِهَا أَسَالِيبَ الْقُرْآنِ وَدَقَائِقَ نَظْمِهِ، فَكَانَ بِذَلِكَ مُفِيدًا عُلُومًا كُلِّيَّةً لَهَا مَزِيدُ اخْتِصَاصٍ بِالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ سُمِّيَ عِلْمًا. وَيَظْهَرُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ إِنْ أُخِذَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِمُرَادِ اللَّهِ مِنْ كَلَامِهِ كَانَ مَعْدُودًا مِنْ أُصُولِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْغَزَالِيُّ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ

1 / 13