معارض أرباب الخواطر فيها، وتواردهم عليها، وميز في فكرك محط الرسالة، ومصب القصيدة قبل العمل، فإن ذلك أسهل عليك، وأشعرها أولًا، ونقحها ثانيًا، وكرر التنقيح، وعاود التهذيب، ولا تخرجها عنك إلا بعد تدقيق النقد وإنعام النظر، وقد كان الحطيئة يعمل القصيدة في شهرين، وينقحها في شهرين اقتداء بزهير، فإنه كان راويته، وقد كان زهير يعمل القصيدة في شهر واحد وينقحها في حول كامل، حتى قيل لشعره: المنقح الحولي، والحولي المحكك. وفي ذلك يقول عدي بن الرقاع كامل:
وقصيدة قد بت أجمع بينها ... حتى أقوم ميلها وسنادها
نظر المثقف في كعوب قناته ... حتى يقيم ثقافه منآدها
وفي الناس من رزق بديهة حسنة، وحدة خاطر، ونفاذ طبع؛ وسرعة نظم، يرتجل القول ارتجالًا، ويأتي به عفوًا صفوًا، فلا تقعد به عن قوم قد أتعبوا خواطرهم، وكدوا نفوسهم في التهذيب، وبذلوا جهدهم في التنقيح والتأديب واحذر إذا كاتبت من الإسراف في الشكر، فإنه إبرام يوجب للكلام ثقلًا، ولا تطل الدعاء فإنه يورث مللًا، ولا تجعل كلامك مبنيًا على السجع كله، فتظهر عليه الكلفة، ويبين فيه أثر المشقة، ويتكلف لأجل السجع ارتكاب المعنى الساقط، واللفظ النازل،