تمهيد
تنبيه ونصيحة
إن واجب النصح في الدين والتنبيه إلى ما يغفل عنه المسلمون مما يحسبونه هيَّنَّا وهو عند الله عظيم قضى عليَّ أن أنبه إخواننا إلى خطر أمر تفسير كتاب الله والقول فيه دون مستند من نقل صحيح عن أساطين المفسرين، أو من إبداء تفسير أو تأويل من قائله إلا إذا كان القائل قد توفرت فيه شروط المفسر من الضلاعة في علوم الشريعة وعلوم العربية ولا سيما علمي المعاني والبيان اللذين بدونهما لا يأمن المرء من تكرر الخطأ في فهم معاني القرآن فيضل المقدم على ذلك ويضل غيره، وقد قال العلامة الزمخشري في خطبة الكشاف: «إن أملأ العلوم بما يغمر القرائح وأنهضها بما يبهر الألباب القوارح ... علم التفسير الذي لا يتم لتعاطيه وإجالة النظر فيه كل ذي علم.
فالفقيه وإن برز على الأقران في علم الفتاوى والأحكام، والمتكلم وإن بزَّ أهل الدنيا في صناعة الكلام ... والنحوي وإن كان أنحى من سيبويه، واللغوي وإن علك اللغات بقوة لحييه، لا يتصدى منهم أحد لسلوك تلك الطرائق، ولا يغوص على شيء من تلك الحقائق، إلا رجل قد برع في علمين مختصين بالقرآن، وهما: علم المعاني، وعلم البيان، وتمهل في ارتيادهما آونة، وتعب في التنقير عنهما أزمنة، بعد أن يكون آخذًا من سائر العلوم بحظ، جامعًا بين أمرين تحقيق وحفظ، كثير المطالعات، طويل المراجعات، قد رجع زمانًا ورجع إليه ورد عليه فارسًا في علم الإعراب، مقدمًا في جملة الكتاب (يعني كتاب سيبويه) وكان مع ذلك مسترسل الطبيعة منقادها، مشتعل القريحة وقادها، يقظان النفس، دراكًا للمحة وإن لطف شأنها، منبهًا على الرَّمزَة وإن خفي مكانها) ا. هـ.
وقال العلامة السكاكي في المفتاح: «وفيما ذكرنا ما ينبه على أن الواقف على تمام مراد الحكيم تعالى وتقدَّس من كلامه مفتقر إلى هذين العملين المعاني والبيان أشد الافتقار، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل» ا. هـ.
1 / 7