قلنا: على ما روينا عن ابن عباس رضي الله عنه وابن مسعود: تتصل بما قبلها في ذكر المثل، وعلى ما روينا عن الحسن في سبب نزولها، كأنه لما ذكر القرآن وتحداهم به، وأنه كلام الله تعالى، وذكر فيه. فصاحته، واحتج عليهم به، وكان ذكر هذه الأمثال فيه شبهة لهم في ذلك، فذكر جوابها منبها أنه لا عيب فيه؛ لأنه طريق البيان والاحتجاج، فيستوي الصغير والكبير.
* * *
(المعنى)
إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا قيل: لا يدع ولا يترك، عن أبي علي، وقيل: لا يخشى، وهو مجاز في الوجهين، وقيل: ليس في ضرب المثل بهذه الأشياء عيب يستحيى منه، فتقدير الكلام ليس محله في ضرب هذا المثل محل ما يستحيى منه، فوضع (إن الله لا يستحيي) موضع ذلك، فيكون الاستحياء على حقيقة ما قد بيناه بعوضة فما فوقها يعني إذا كان المثل للبيان والحكمة، فالصغير والكبير فيه سواء، وقيل: البعوضة إذا جاعت سمنت، وإذا شبعت ماتت، كذلك هؤلاء المنافقون إذا امتلؤوا من الدنيا أخذهم الله، ثم تلا: (حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة)
عن الربيع وعن أنس، فما فوقها قيل: فوقها في الكبر، عن قتادة وابن جريج، قالا: والبعوضة أضعف خلق الله تعالى، وقيل: فما فوقها في الصغر؛ لأن الغرض المطلوب ههنا الصغر فأما الذين آمنوا يعني: صدقوا بمحمد والقرآن، وقبلوا الإسلام فيعلمون أنه الحق من ربهم مدحهم - بأنهم تدبروا حتى علموا أنه من ربهم، وأنه واقع في حقه وأما الذين كفروا ذمهم على الإعراض عن طريق الاستدلال وإنكارهم ما هو الصواب، فقال: وأما الذين كفروا يعني بالقرآن والإسلام فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلا أي: ماذا أراد بهذا المثل؟ فحذف الألف واللام، يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا قيل: هي تتصل بما قبلها على طريق الحكاية عنهم، وقيل: بل كلامه تعالى ابتداء، وكلاهما محتمل، والمعنى: قيل: يهلك ويعذب بالكفر به كثيرا، بأن يضلهم عن الثواب وطريق الجنة بسببه فيهلكوا، ويهدي إلى الثواب وطريق الجنة كثيرا بالإيمان، عن أبي علي، وقيل: (يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا)، وإنما أضاف ذلك إليه؛ لأن الضلال والهداية كانا عند نزوله، كقوله تعالى: (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم)
والآيات لا تزيدهم رجسا، ولكنهم
Page 298