{ التقسيم الثاني باعتبار استعمال اللفظ } مفردا كان أو مركبا { في المعنى فإن استعمل } استعمالا صحيحا { فيما وضع له } أراد بالوضع أي نوع من الحقيقة منسوبة إلى ذلك الوضع فإن كان لغويا فلغوية وإن كان شرعيا فشرعية وكذا الحال في المجاز وقد يجتمعان ويكون الامتياز بالحيثية { وإن استعمل فيما لم يوضع له } لم يقل في غيره لأن المشترك أيضا مستعمل في غير ما وضع له { فمجاز } وشرط صحة الاستعمال في التقسيم احترازا عن الغلط اقتضى في المجاز وجود العلاقة بين معناه ومعنى الحقيقي وفي المرتجل الوضع قبل الاستعمال { والمنقول وهو ما هجر فيه المعنى الحقيقي لغلبته في المعنى المجازي حيث يفهم بلا قرينة مع وجود العلاقة بينه وبين الحقيق وينسب إلى الناقل } فيقال منقول شرعي عرفي واصطلاحي { حقيقة في المعنى ومجاز في الأول من جهة الوضع الثاني } من هنا ظهر أن المجاز ينقلب حقيقة بغلبة الاستعمال والحقيقة تنزل منزلة المجاز حتى لا يثبت معناها إلا بالنية أو دلالة القرينة بغلبته وإن لم يكن مجازا { وبالعكس من جهة الوضع الأول } كالصلاة حقيقة في الدعاء ومجاز في الأركان المخصوصة لغتا وبالعكس شرعا { هذا إذا لم يكن الثاني من أفراد الأول وإن كان منها كالدابة } المنقولة { لذي الأربع خاصة } فإنها في الأصل لما يدب على الأرض { فحقيقة من جهة الوضع الأول مجاز من جهة الثاني إن كان أطلاقه عليه } أي على ما هو من أفراد الأول { باعتبار أنه منها } أي من أفارده { وبالعكس إن كان باعتبار أنه من أفراد الثاني فإطلاق لفظ الدابة في الفرس مثلا بحسب اللغة حقيقة باعتبار ومجازيا باعتبار وكذا بحسب العرف } لأنه إن كان من حيث أنه من أفراد ما يدب على الأرض فحقيقة لغة ومجاز عرفا وإن كان من حيث أنه من أفراد ذوات الأربع وبالعكس لأنه لم يوضع في اللغة للمقيد بخصوصه ولا في العرف للمطلق بإطلاقه { فليس اعتبار الأول فيه لصحة الإطلاق } تفريع على ما تقدم يعني لما كان المنقول ما هجر فيه المعنى الحقيقي لم يكن اعتبار المعنى الأول فيه لصحة إطلاقه على المعنى الثاني { كما في المجاز } فإن اعتبار الأول أي المعنى الحقيقي فيه لصحة إطلاقه على الثاني أي المعنى المجازي { بل الترجيح اللفظ } المنقول { والمعنى } المنقول إليه { على سائر الألفاظ والمعاني ولهذا } أي لعدم كون اعتبار المعنى الأول لصحة الإطلاق لا يطلق المنقول على كل ما يوجد فيه المعنى الأول وهذا معنى قوله { فلا يطلق الدابة } في العرف { على كل ما يوجد فيه الدبيب والصلاة } في الشرع { على كل دعاء كما يطلق الأسد على كل من يوجد فيه الشجاعة } ثم أنه ظهر من البيان السابق أن الوضع قد لا يعتبر فيه المناسبة بين اللفظ والمعنى كالجدار والحجر وقد يعتبر إطلاقه حقيقة على كل ما يوجد في تلك المناسبة ولهذا لا يجري القياس في المعناي اللغوية { والمرتجل وهو ما وضعه واضع آخر لمعنى غير } المعنى { الأول } إنما قال واضع آخر ليخرج المشترك فإن الوضعين فيه لواضع واحد { ولا مناسبة بينهما } فخرج المنقول { يكون حقيقة بد الاستعمال } إنما قيد به لأنه شرط في الحقيقة دون المرتجل فمن جعله مقابلا لها اعتبارا للوضع الأول في التقسيم لم يصب إذ ح لزم خروج المشترك عن حد الحقيقة إذ لم يثبت إن وضعه معا { ثم إن اللفظ المستعمل } قيد به إخراجا لمرتجل لم يستعمل بعد { حقيقة كان أو مجازا إن كان في نفسه بحيث لا يستتر منه المراد فصريح وإلا فكناية فالحقيقة التي لم تغلب صريح والتي غلبت } سواء كانت مهجورة بالكلية أو لا { كناية والمجاز إن غلب فصريح وإلا فكناية } هذا عند علماء الأصول { وعند علماء البيان الكناية لفظ استعمل فيما وضع له لا لأنه مقصود بل للانتقال منه إلى ملزومه } فهو مناط الحكم ومرجع الصدق والكذب { كطويل النجاد } فإن القصد به إلى طول القامة لا إلى طول النجاد إلا أنه لا يصح كناية إلا إذا كان له نجاد وطويل لأن شرط الكناية وهو الاستعمال في الموضوع له لا يتحقق بدونه { فهي لا ينافي إرادة الموضوع له } ضرورة أنها مستعملة فيه وهو مقصود منها في الجملة { بخلاف المجاز } لأن المقصود منه أولا وبالذات غير ما وضع له فينافي إرادة الموضوع له { ثم كل من الحقيقة والمجاز إما مفرد وقد مر مثالهما } لم يقل تعريفهما لأن ما مر من التعريفين مشترك بين المفر والجملة { أو جملة والأول من هذا القسم ظاهر وأما الثاني فكقوله أراك تقدم رجل وتؤخر أخرى ولا اختصاص له } بالاستعارة التمثيلية فإن المجاز المتفرع على الكناية كقوله تعالى { بل يداه مبسوطتان } وعامة الإخبارات المستعملة في الإنشاء وكل ما استعمل من أقسام الطلب في الآخر من هذا القسم { ثم إن الجملة حقيقة كانت أو مجازا بحسب الوضع ينقسم إلى مجاز عقلي وهي ما ناسب فيه الفعل إلى غير فاعله لملابسة بينه وبين الفعل كقول الموحد أنبت الربيع البقل وحقيقة عقلية إن لم يكن كذلك فيدخل فيها قول الكاذب معتقدا كان به كقول الدهري أنبت الربيع البقل أو غير معتقد كقول من قال جاء زيد وهو عالم بأنه لم يجئ } بخلاف ما إذا قيل في الحقيقة العقلية ما نسب فيه الفعل إلى فاعله عند المتكلم فإنه ح لا يدخل فيها ثاني قسمي قول الكاذب لأن المتبادر من عبارة عند فلان هو أن يكون معتقدا به بل نقول إنها كالعلم فيه وزيادة بسط في الكلام لتحقيق هذا المقام موضعه فن آخر وقد استوفينا حقه في بعض تعليقاتنا .
فصل :
Page 44