{ باعتبار ظهور المراد وخفائه ومراتبها اللفظ إما أن يظهر المراد منه أولا والأول ما أن يسوق الكلام له أو لا والثاني الظاهر } شرط فيه عدم كونه مسوقا للمعنى الذي يجعل فيه ظاهرا فامتاز عن قسيمه مفهوما ووجودا وهكذا في سائر القسمين { والأول إما أن يقبل التخصيص أو التأويل } أي أحدهما { أو لا والأول النص } كقوله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } ظهار في الحل والحرمة نص في التفرقة بين البيع والربا لأن سوقه لها ومنهنا ظهر أنهما قد يجتمعان في كلام واحد وذلك لا ينافي تباينهما وجودا لأنه لم يجتمعا فيه باعتبار معنى واحد بل باعتبار معنيين { والاثني إماأن يلحقه البيان بدليل قطعي } لا شبهة فيه { أو بدليل ظني } فيه شبهة والثاني المأول والشامل للخفي والمشكل والمشترك والمجمل { والأول إما أن يحتمل النسخ } المراد من النسخ نسخ المعنى ومن الاحتمال ما باعتبار نفس الكلام بأن لا يكون فيه ما يدل على الدوام والتأبيد { أو لا والأول المفسر والثاني المحكم } كقوله عليه السلام الجهاد ماض إلى يوم القيامة { والكل يوجب الحكم ويقم كل منهما على ما دونه عند التعارض والذي لم يظهر المراد منه إن كان ذلك لعارض فخفي وإن كان لنفسه فإن أدرك عقلا فمشكل أو لا بل نقلا فمجمل أو لا أصلا فمتشابه والخفي كآية السرقة خفيت في النباش والطرار لعار وهو اختصاص كل منهما باسم آخر } فإن كان الخفاء أي خفاء اللفظ فيما خفي فيه لمزيه له على ما هو ظاهر فيه في المعنى الذي تعلق له الحم كالطرار فإنه سارق كامل { يثبت فيه الحكم } بطريق الدلالة { وإن كان لنقصان } كالنباش { لا والمشكل أما الغموض في المعنى نحو إن كنتم جنبا فاطهروا فإن غسل طاهر البدن واجب وغسل باطنه ساقط فوقع الإشكال } في الفم لاشتباه الحال { لأنه ظاهر من وجه حتى بنقض الوضوء بخروج الدم إليه وباطن من وجه حتى لا يفسد الصوم بابتلاع الريق فاعتبر الوجهان والحق بالظاهر في الغسل } حتى وجب غسله فيه سواء كان عن جنابة أو غيرها { والباطن في الوضوء } حتى لم يجب غسله فيه سواء كان لحدث أولا وإنما لم يعكس لأن صيغة التكلف في آية الغيل دلت على المبالغة لا دليل في آية الوضوء عليها { أو لغرابة من جهة الاستعارة نحو قوارير من فضة } استعار القوارير لما يشبهها في الصفاء والشفيف ثم جعلها من الفضة مع أن القارورة لا تكون إلا من الزجاج فجاءت استعارة غيريته { والمجمل } وهو ما خفي المراد منه بنفس اللفظ جزء لا يزول إلا بيسان من المجمل سواء كان ذلك لتزاحم المعاني كالمشترك أو لغرابة اللفظ كالهلوع أو للتنقل { كالربا } لأنه في اللغة المطلق الفضل وليس كل فضل حراما بالإجماع ولم يعلم أن المراد أي فضل كان مجملا ثم لما بين النبي عم الربا في الاشياء الستة خرج من حيز الإجمال إلى حيز الإشكال حيث احتيج بعد ذلك إلى القلب والتأمل ليعرف علة الربا فيظهر الحكم في غيرتلك الأشياء { والمتشابه } وهو ما خفي بنفس اللفظ ولا يرجى دركه أصلا { كالمقطعات في أوائل السور } واليد والوجه ونحوهما { وحكم الخفي النظر } أي الفكر القليل لنيل المراد والاطلاع على أن خفائه لمزية أو لنقصان { والمشكل التأمل } أي التكلف والاجتهاد في الفكر ليتميز المعنى عن إشكاله من باب العطف على عاملين مختلفين والمجرور مقدم { والمجمل طلب البيان } من المجمل فبيانه قد يكون شافيا فيصير به المجمل مفسرا كالصلاة وقد لا يكون كبيان الربا فح يحتاج إلى نظر لضد الأوصاف الصالحة للعلية ثم تأمل لتعيين البعض وزيادة صلوحه لذلك ولذلك قال { ثم النظر والتأمل إن احتيج إليهما كمافي الربا والمتشابه التوقف عن طلب المراد مع اعتقاد حقيقته بناء على قراءة الوقف على إلا الله } الدالة على أن تأويل المتشابه لا يعلمه غير الله تعالى { خلافا لمن رأى الوقف على الراسخون في العلم } الدال على أنهم أيضا يعلمون تأويل المتشابهات { وعلى الأول يكون الإنزال للابتلاء } أي يكون الحكمة في إنزال المتشابهات على القول الأول ابتلاء الراسخ في العلم بالتوقف عن الطلب والتأمل جواب دخل مقدر تقريره ظاهر لا يقال فعلى هذا يلزم تضليل عامة السلف في كل قرن إذ ما من آية إلا وتكلم العلماء في تأويلها فيالقرن الأول والثاني ومن بعدهما ولم ينكر عليهم أحد من أهل تلك القرون وهذا كالإجماع منهم على عدم وجوب التوقف في المتشابه لأنا نقول عدم الإنكار مم فإن قراءة الوقف على الله إنكار من القائلين بتلك القراءة على المأولين إلا أنه لما كان للاجتهاد مساغ سكت كل من الفرقين عن تخطئة الآخر في الاعتقاد فتدبر والله الهادي إلى الرشاد { شبهة } لما ذكر في المفسر أن بيانه بدليل لا شبهة فيه ناسب المقام إيراد هذه الشبهة وحلها { قيل أن الدليل اللفظي لا يفيد اليقين لتوقفه على نقل اللغة والصرف لنحو وعدم الاشتراك والمجاز والإضمار والنقل والتخصيص والتقديم والتأخير } كما في قوله تعالى { وأسروا النجوى الذين ظلموا } قالوا تقديره والذين ظلموا أسروا النجى كيلا يكونمن قبيل أكلوا في البراغيث { والناسخ أو المعارض العقلي } الأول مخصوص بالإنشاء والثاني بالأخبار فاللازم عدم واحد منها ولذلك عطفه بأو وهي ظنية أما الوجوديات وهي نقل اللفة والصرف والنحو فلعد عصمة الرواة وعدم التواتر وأما العدميات وهي من قوله وعدم الاشتراك { فلأن مبناها على الاستقراء } وعدم الوجدان وغاية ما يفيده الظن { وأجيب بمنع ظنية الوجوديات في كل دليل لفظي فإن منها ما هو متواتر لغة } كمعنى الأرض والسماء { وصرفا } ككون مثل ضرب فعل ماضي { ونحوا } كرفع الفاعل ونصب المفعول { ومنع بناء العدميات على الاستقراء فإن وجود قرينة قطعية الدلالة على إرادة الأصل مغن عنه } أي عن الاسقراء { فيجوز أن يؤلف كلام من المتواترات } لغة وصرفا ونحوا } معه من القرائن ما يدل قطعا } على المراد فيكون قطعية الدلالة على المطلوب قيل من ادعى أن لا شيء من التراكيب بمفيد للقطع فقد أنكر جميع المتواترات كوجود بغداد فما هو إلا محض السفسطة أو العناد وورد بمنع ذلك فإن كون كل جزء ظنيا لا ينافي إفادة المجموع القطع بواسطة انضمام دليل عقلي إليه وهو جزم العقل بامتناع اجتماعهم على الكذب واعلم أنهم يستعملون العلم القطعي في معنيين أحدهما ما يقطع الاحتمال أصلا كالعلم الحاصل بالمتواتر والثاني ما يقطع الاحتمال الناشي عن دليل كالعلم الحاصل بالمشهور والأول يسمونه علم اليقين والثاني علم الطمأنية .
Page 86