406

و { أن أكون } تقديره عن أن أكون فحذف عن وأن أكون هل هو في موضع رفع أو نصب أو في موضع جر فيه خلاف. { فأواري } معطوف على قوله أن أكون فالعجز متسلط على الكون وعلى المواراة. قرأ طلحة بن مصرف والفياض بن عروان فأواري بسكون الياء فالأولى أن تكون على القطع أي فأنا أواري سوءة أخي فيكون أواري مرفوعا.

وقال الزمخشري: وقرىء بالسكون على فأنا أواري أو على التسكين في موضع النصب للتخفيف. " انتهى ". يعني أنه حذف الحركة وهي الفتحة تخفيفا استثقلها على حرف العلة.

قال ابن عطية: هي لغة لتوالي الحركات لا ينبغي أن تخرج على النصب لأن النصب مثل هذا هو بظهور الفتحة ولا تستثقل الفتحة فتحذف تخفيفا، كما أشار إليه الزمخشري ولا ذلك لغة كما زعم ابن عطية ولا يصح التعليل بتوالي الحركات فيه وهذا عند النحويين أعني النصب بحذف الفتحة لا يجوز إلا في الضرورة فلا تحمل القراءة عليها إذا وجد حملها على معنى صحيح وقد وجد وهو الاستئناف أي فأنا أواري.

قال ابن عباس: هو من حيث انتهاك حرمتها بالقتل أو صون حرمتها بالامتناع وباستحيائها. { ولقد جآءتهم } الضمير في جاءتهم عائد على بني إسرائيل. ومعنى بالبينات: بالمعجزات والكتب الإلهية الواضحة. فكان المناسب اتباع الرسل فيما جاؤا به من امتثال أمر الله والانقياد لأحكامه.

وقال الزمخشري: فأواري بالنصب على جواب الاستفهام. " انتهى ". وهو خطأ فاحش لأن الفاء الواقعة جوابا للاستفهام تنعقد من الجملة الاستفهامية والجواب شرط وجزاء وهنا لا تنعقد. تقول: أتزورين فأكرمك فالمعنى أن تزرني أكرمك لو قلت هنا: ان أعجز أن أكون مثل هذا الغراب أوار سوءة أخي لم يصح لأن المواراة لا تترتب على عجزه عن كونه مثل الغراب.

{ فأصبح من النادمين } قبل هذا جملة محذوفة تقديرها فوارى سوءة أخيه. والظاهر أن ندمه كان على قتل أخيه لما لحقه من عصيان ربه وإسخاط أبويه وتبشيره أنه من أصحاب النار وهذا يدل على أنه كان عاصيا لا كافرا.

{ من أجل ذلك } متعلق بقوله: كتبنا، ويقال: أجل وأجل ومعناه. من سبب ذلك القتل. { كتبنا على بني إسرائيل } يقال: فعلت هذا من أجلك أي بسببك. وقيل: يتعلق من أجل بقوله: { من النادمين } أي صار من النادمين بسبب القتل، ويكون كتبنا على بني إسرائيل استئناف كلام.

وقوله: { بغير نفس } أي بغير قتل نفس. { أو فساد } هو معطوف على نفس أي وبغير فساد، والفساد: قطع الطريق وقطع الأشجار وقتل الدواب لا لضرورة وحرق الزرع وما يجري مجراه، وهو الفساد المشار إليه بعد هذه الآية. والضمير في أنه. ضمير الأمر والشأن، ومن شرطية وجوابه فكأنما، والجملة في موضع خبر انه، وتشبيهه قتل النفس الواحدة بقتل الناس جميعا وإحياها بإحيائهم.

{ ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك } أي بعد مجيء الرسل لمسرفون أي مجاوزون الحد في المعاصي وعدم اتباع الرسل ومنهم في موضع الصفة لقوله: كثيرا، وبعد منصوب على الظرف، والعامل فيه قوله: { لمسرفون }.

{ إنما جزآء الذين } الآية، نزلت في قوم من عكل وعرينة، وحديثهم مشهور. ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر في الآية قبلها تغليظ الإثم في قتل النفس بغير نفس ولا فساد في الأرض اتبعه ببيان الفساد في الأرض الذي يوجب القتل ما هو فإن بعض ما يكون فسادا في الأرض لا يوجب القتل.

Page inconnue