فويل للذين يكتبون الكتاب
[البقرة: 79] الآية وآياته ما أنزل الله تعالى من الكتب الإلهية المحتوية على التكاليف والمعنى. والله أعلم. ولا تستبدلوا بآياتي العظيمة أشياء حقيرة خسيسة ولا مفهوم لقوله قليلا بل في ذلك التنبيه على خساسة أنفسهم إذ تبدلون الشيء العظيم في تحصيل الشيء الحقير من مطعم أو مشرب أو غير ذلك أو لأن ما حصل عن آيات الله كائنا ما كان هو قليل حقير.
{ وإيي فاتقون } الكلام على هذا إعرابا فالكلام على وإياي فارهبون والفرق بين الفاصلتين أن ترك ذكر النعمة والإيفاء بالعهد ظاهره أنه من المعاصي التي تجوز العقاب إذ يجوز أن يقع العفو عن ذلك وترك الإيمان بما أنزل الله تعالى والاشتراء بآيات الله الثمن اليسير من المعاصي التي تحتم العقاب وتعينه إذ لا يجوز أن يقع العفو عن ذلك فلذلك ختم تلك بالرهبة وهي الخوف وهذه باتخاذ الوقاية من النار.
[2.42-43]
{ ولا تلبسوا الحق بالبطل } أي لا تخلطوا الصدق بالكذب وكذبهم أنواع قد قص الله تعالى منها. والباء في الباطل للإلصاق نحو خلطت الماء باللبن نهوا عن ذلك فلا يتميز الحق من الباطل. وأجاز الزمخشري أن تكون الباء للاستعانة كهي في كتبت بالقلم. قال: كأن المعنى ولا تجعلوا الحق ملتبسا بباطلكم. " انتهى " وفيه بعد عن هذا التركيب وصرف عن الظاهر بغير ضرورة تدعو إلى ذلك.
{ وتكتموا الحق } مجزوم عطفا على تلبسوا نهى عن كل واحد من الفعلين كما في قولك: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، نهى عن كل منهما وجوزوا فيه أن يكون منصوبا وليس بجيد لأن النهي إذ ذاك يكون منسحبا على الجمع بين الفعلين كما في: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، إذا نصبت وتشرب ويكون بالمفهوم يدل على جواز الالتباس بواحد منهما وذلك منهي عنه، ولذلك رجح الجزم. وقرىء وتكتمون ويخرج على الحال ولا يكون ذلك على إضمار مبتدأ أي وأنتم تكتمون ويكون إذ ذاك حالا لازمة لأنه لا يقع لبس الحق بالباطل إلا ويكون الحق مكتوما. وقدره الزمخشري كلمتين وهو تقدير معنى لا تقدير إعراب ويجوز أن تكون جملة خبرية نعى الله تعالى عليهم كتمهم الحق وعطفت على جملة النهي ولم يراع التناسب في عطف الجمل وهو مذهب سيبويه ولوحظ المعنى لأنهم لم ينهوا إلا عن شيء فعلوه فتضمن معنى أنتم تلبسون الحق بالباطل والحق المكتوم هو أمر محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن وما جاء به وهو مذكور في كتبهم كانوا يعلمون ذلك ويظهرون خلافه ومعمول. تعلمون الأولى أن يكون حذف اقتصارا أي وأنتم من ذوي العلم فلا يناسب من كان عالما أن يكتم الحق ويلبسه بالباطل وقدروا حذفه اختصارا أي الحق من الباطل. قال الزمخشري: وأنتم تعلمون في حال عملكم أنكم لابسون كاتمون قال وهو أقبح لأن الجهل بالقبيح ربما عذر راكبه إنتهى. جعل مفعول العلم اللبس والكتم وكأن ما قدره على حذف مضاف أي وأنتم تعلمون قبح أو تحريم اللبس والكتم. وقال ابن عطية: حملة في موضوع الحال ولم يشهد تعالى لهم بعلم وإنما نهاهم عن كتمان ما علموا. " انتهى ". فمفعول تعلمون هو الحق. وقال أيضا: ويحتمل أن تكون شهادة عليهم بعلم حق مخصوص في أمر محمد صلى الله عليه وسلم ولم يشهد لهم بالعلم على الإطلاق. قال: ولا تكون الجملة على هذا في موضع الحال. " انتهى ". فتكون جملة نبوتية معطوفة على جملة النهي من غير مراعاة مناسبة في عطف الجمل.
{ وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة } أي التي في الشريعة الاسلامية.
{ واركعوا } لما كان الخطاب مع بني إسرائيل ولا ركوع في صلاتهم نبهوا بالأمر به على أنه مطلوب في هذه الشريعة.
وفي قوله: { مع الركعين } دليل على إيقاع ذلك في جماعة افتتح سبحانه وتعالى هذه الآيات بذكر النعم واختتمها بذكر الانقياد للمنعم وما بينهما تكاليف اعتقادية وأفعال بدنية ومالية وهذه الأوامر والنواهي وإن كانت خاصة في الصورة ببني إسرائيل إذ هم المخاطبون بها هي عامة في المعنى والأمر طلب وجود الفعل والنسيان السهو الحادث بعد حصول العلم ويطلق أيضا على الترك والتلاوة القراءة والعقل والادراك المانع من الخطأ.
[2.44-46]
Page inconnue