244

فقالوا: لا حتى نقترع عليها. فانطلقوا وكانوا سبعة وعشرين إلى نهر قيل: هو نهر الأردن وهو قول الجمهور وقيل إلى عين ماء كانت هناك فألقوا فيه أقلامهم فارتفع قلم زكريا ورسبت أقلامهم فكفلها. والخطاب في قوله: وما كنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو تقرير وتثبيت ان ما علمه من ذلك إنما هو بوحي من الله تعالى والمعلم به قصتان قصة مريم وقصة زكريا فنبه على قصة مريم إذ هي المقصودة بالاخبار أولا وإنما جاءت قصة زكريا على سبيل الاستطراد والاندراج بعض قصة زكريا في ذكر من يكفل فما خلت من تنبيه على قصته. ويعني وما كنت لديهم، أي وما كنت معهم بحضرتهم إذ يلقون أقلامهم ونفي المشاهدة وإن كانت منتفية بالعلم ولم ينف القراءة والتلقي من حفاظ الأنبياء على سبيل التهكم بالمنكرين للوحي وقد علموا أنه ليس ممن يقرأ ولا ممن ينقل عن الحفاظ للأخبار فتعين أن يكون علمه بذلك عن وحي من الله إليه ، ونظيره في قصة موسى وما كنت بجانب الغربي وما كنت بجانب الطور وفي قصة يوسف وما كنت لديهم إذا جمعوا أمرهم. والضمير في لديهم عائد على غير مذكور بل على ما دل عليه المعنى أي وما كنت لدى المتنازعين كقوله: فأثرت به نقعا، أي بالمكان والعامل في إذ العامل في لديهم. وقال أبو علي الفارسي: العامل في إذ كنت. " انتهى ". ولا بناس ذلك مذهبه في مكان الناقصة لأنه يزعم أنها سلبت الدلالة على الحدث وتجردت للزمان وما سبيله هذا فكيف يعمل في الظرف لأن الظرف دعاء للحدث ولا حدث فلا تعمل فيه والمضارع بعد إذ في معنى الماضي أي إذ ألقوا أقلامهم للإستهام على مريم والظاهر أنها الأقلام التي للكتابة قيل كانوا يكتبون بها التوراة فاختاروها للقرعة تبركا بها. ومعنى الإلقاء: الرمي والطرح. ولم يذكر في الآية ما الذي ألقوها فيه ولا كيفية حال الإلقاء وكيف خرج قلم زكريا.

و { أيهم } مبتدأ وما بعده خبره والجملة في موضع نصب اما على الحكاية بقول محذوف أي يقولون أيهم يكفل مريم وأما بعلة محذوفة أي ليعلموا أيهم يكفل مريم وأما بحال محذوفة أي ينظرون أيهم يكفل مريم ودل على المحذوف يلقون أقلامهم.

[3.45-47]

{ إذ قالت الملائكة } العامل في إذا ذكر ويبعد أن يكون بدلا من إذ أو يكون العامل فيه يختصمون.

{ بكلمة منه } هو عيسى وتقدم المراد بكلمة في قصة زكريا.

{ اسمه المسيح } والضمير في اسمه عائد على الكلمة على معنى يبشرك بمكون منه أو بموجود من الله وسمي المسيح لأنه مسح بالبركة. وأل في المسيح للغلبة كهي في الدبران. واسمه المسيح مبتدأ وخبر وذكر الضمير في اسمه على معنى الكلمة ولم يؤنث على اللفظ. وعيسى: اسم أعجمي بدل من المسيح، وابن مريم صفة لعيسى. وفي كلام الزمخشري ما يدل على أن اسمه المجموع من قوله المسيح عيسى ابن مريم وفيه بعد. والمسيح لقب بدأ به لأنه أشهر من عيسى إذ لا ينطلق على غيره وعيسى قد يقع على غيره وامتنع عيسى من الصرف للعجمة والعلمية وليست ألفه للتأنيث خلافا لمن قال ذلك. وأصله في لسانهم أيسوع.

{ وجيها } فعيل من وجه أي أعظم قدرة وجاهة. { في الدنيا } بنبوته { والآخرة } بعلو درجته. { ومن المقربين } قال الماوردي: معناه المبالغ في تقريبهم لأن فعل من صيغ المبالغة يقال: قربه يقربه إذا بالغ في تقريبه. " انتهى ". وليس فعل هنا من صيغ المبالغة لأن التضعيف هنا للتعدية إنما يكون للمبالغة في نحو: جرحت زيدا وموت الناس ومن المقربين معطوف على قوله: وجيها، تقديره ومقربا من جملة المقربين والتقريب بالمكانة والشرف لا بالمكان.

{ ويكلم الناس في المهد وكهلا } وعطف، ويكلم حال أيضا على وجيها ونظيره صافات ويقبضن أي وقابضات وجاء بالمضارع الذي يقتضي التجدد ووجيها بالإسم الذي يقتضي الثبوت، وكهلا معطوف على في المهد أي كائنا في المهد وكهلا يشير إلى أن تكليمه في المهد يكون كتكليمه كهلا وفيه إشارة إلى أنه يعيش الى حد الكهولة.

{ قالت رب أنى يكون لي ولد } استفهام معناه التعجب لأن وجود ولد من غير ذكر لم يعهد وهو أغرب من قصة زكريا.

{ ولم يمسسني بشر } جملة في موضع الحال. وقد فهمت من نسبته إليها في قوله: ابن مريم انه لا والد له فاستغربت ذلك وتعجبت منه.

Page inconnue