{ شهد الله } الآية، سبب نزولها أن حبرين من الشام قدما المدينة فقال أحدهما للآخر ما أشبه هذه بمدينة النبي الخارج في آخر الزمان ثم عرفا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنعت فقالا أنت محمد قال: نعم، فقالا: أنت أحمد، قال: نعم، فقالا: نسألك عن شهادة إن أخبرتنا بها آمنا فقال: سلاني. فقال أحدهما: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله فنزلت فأسلما وشهد هنا بمعنى أعلم بانفراده بالوحدانية وعطف عليه.
{ والملائكة } وهم من العالم العلوي ثم أولي العلم ويشمل الملائكة وغيرهم من الثقلين وانتصب قائما على الحال من الله وحده. قال الزمخشري: وانتصابه على أنه حال مؤكدة منه أي من الله لقوله:
وهو الحق مصدقا
[البقرة: 91] " انتهى ". ليس هذا من الحال المؤكدة لأنه ليس من باب ويوم يبعث حيا ولا من باب أنا عند الله شجاعا وهو زيد شجاعا وفي كونه حالا من اسم الله قلق في التركيب إذ يصير كقولك أكل زيد طعاما وعائشة وفاطمة جائعة فيفصل بين المعطوف عليه والمعطوف بالمفعول وبين الحال وذي الحال بالمفعول والمعطوف لكن بمشيئة كونها كلها معمولة لعامل واحد وقال الزمخشري: فإن قلت قد جعلته حالا من فاعل شهد فهل يصح أن ينتصب حالا من هو في لا إله إلا هو. قلت: نعم لأنها حال مؤكدة والحال المؤكدة لا تستدعي أن يكون في الجملة التي هي زيادة في فائدتها عامل فيها كقولك: أما عبد الله شجاعا " انتهى ".
يعني أن الحال المؤكدة لا يكون العامل فيها النصب شيئا من الجملة السابقة وإنما تنتصب بعامل مضمر تقديره أحق أو نحوه مضمرا بعد الجملة وهذا قول الجمهور والحال المؤكدة لمضمون الجملة هي الدالة على معنى ملازم للمسند إليه الحكم أو شبيه بالملازم فإن كان المتكلم بالجملة مخبرا عن نفسه فيقدر الفعل أحق مبنيا للمفعول نحو أنا عبد الله شجاعا أي أحق شجاعا وإن كان مخبرا عن غيره نحو: هو زيد شجاعا، فتقدره أحقه شجاعا وذهب الزجاج إلى أن العامل في هذه الحال هو الخبر بما ضمن من معنى المسمى وذهب ابن خروف إلى أنه المبتدأ بما ضمن من معنى التنبيه وجعله بعضهم حالا من الجميع على اعتبار كل واحد واحد ورد بأنه لو جاز ذلك لجاز جاء القوم راكبا، أي كل واحد منهم، وهذا لا تقوله العرب، ومعنى بالقسط: بالعدل وأنه لا إله إلا هو مفعول شهد وفصل به بين المعطوف عليه والمعطوف ليدل على الاعتناء بذكر المفعول وليدل على تفاوت درجة المتعاطفين بحيث لا ينسقان متجاورين. وقرىء: شهد مبنيا للمفعول والمصدر المنسبك من أن وما بعدها بدل من لفظ الجلالة أي شهد انفراده بالألوهية وارتفع والملائكة على إضمار فعل أي وشهد الملائكة أو على الابتداء والخبر محذوف تقديره والملائكة وأولوا العلم يشهدون وقرىء: شهداء الله جمعا منصوبا مضافا إلى الله وجوز أن يكون حالا من المستغفرين أو على المدح وهو جمع شهيد أو شاهد وقرىء شهداء الله بالرفع على إضمار مبتدأ محذوف أي هم شهداء وقرىء: شهد الله بضم الشين والهاء ونصب الدال منونا ونصب الله، وقرىء: شهد بضم الدال وبفتحها مضافا لاسم الله فالرفع على خبر مبتدأ أي هم شهد الله والنصب على الحال وهو جمع شهيد كنذير وقرىء: شهد الله بضم الدال ونصبها وبلام الجر ووجه رفع الملائكة في هاتين القراءتين بالعطف على الضمير المستكن في شهداء وتقدم توحيه رفع الملائكة على إضمار الفعل وعلى إضمار الخبر وقرىء: انه بكسر الهمزة، وقرىء: ان لا إله إلا هو بحذف الضمير وخرج نصب قائما على أنه حال من هو أو صفة للمنفي وهو بعيد جدا أو من الجميع على اعتبار كل واحد واحد وهو أبعد مما قبله وأجاز الزمخشري انتصاب قائما على المدح وقال: فإن قلت أليس من حق المنتصب على المدح أن يكون معرفة كقولك الحمد لله الحميد انا معشر الأنبياء لا نورث انا بني نهشل لا ندعي لأب قلت قد جاء نكرة في قول الهذلي: ويأوي إلى نسوة عطل وشعثا مراضيع مثل السعالي " انتهى سؤاله وجوابه ".
وفي ذلك تخليط وذلك أنه لم يفرق بين المنصوب على المدح أو الذم أو الترحم وبين المنصوب على الاختصاص وجعل حكمهما واحدا وأورد مثالا من المنصوب على المدح وهو الحمد لله الحميد ومثالين من المنصوب على الاختصاص وهما انا معشر الأنبياء لا نورث انا بني نهشل لا ندعي لأب والذي ذكره النحويون أن المنصور على المدح والذم أو الترحم قد يكون معرفة وقبله معرفة يصلح أن يكون تابعا لهم وقد لا يصلح وقد يكون نكرة كذلك وقد يكون نكرة وقبلها معرفة فلا يصح أن يكون نعتا لها نحو قول النابغة:
أقارع عون لا أحاول غيرها
وجوه قرود تتبعني من تخادع
فانتصب وجوه قرود على الذم وقبله معرفة وهو قوله: أقارع عوف وأما المنصوب على الاختصاص قصوا على أنه لا يكون نكرة ولا مبهما ولا يكون إلا معرفا بالألف واللام أو بالاضافة أو بالعلمية أو بأي ولا يكون إلا بعد ضمير متكلم مختص به أو مشارك فيه وربما أتى بعد ضمير مخاطب واما انتصابه على أنه صفة للمنفي فقال الزمخشري: فإن قلت هل يجوز أن يكون صفة للمنفي كأنه قيل لا إله قائما بالقسط إلا هو قلت: لا يبعد فقد رأيناهم يتسعون في الفصل بين الصفة والموصوف ثم قال وهو أوجه من انتصابه عن فاعل شهد وكذلك انتصابه على المدح " انتهى ".
وكان قد مثل بالفصل بين الصفة والموصوف بقوله لا رجل إلا عبد الله شجاعا ويعني أن انتصاب قائما على أنه صفة لقوله: إله، وكونه إنتصب على المدح أوجه من انتصابه على الحال من فاعل شهد وهو الله وهذا الذي ذكره لا يجوز لأنه فصل بين الصفة والموصوف بأجنبي وهو المعطوفان اللذان هما والملائكة وأولوا العلم وليسا معمولين لشيء من جملة لا إله إلا هو بل هما معمولان لشهد وهو نظير عرف زيد أن هند أخارجة وعمرو وجعفر التيمية فيفصل بين هند والتميمية بأجنبي ليس داخلا في حيز ما عمل فيها وفي خبره وهما عمرو وجعفر المرفوعان بعرف المعطوفان على زيد وأما المثال الذي مثل به وهو لا رجل إلا عبد الله شجاعا فليس نظير تخريجه في الآية، لأن قولك إلا عبد الله بدل على الموضع من لا رجل فهو تابع على الموضع فليس بأجنبي على أن في جواز هذا التركيب نظرا لأنه بدل وشجاعا وصف والقاعدة أنه إذا اجتمع البدل والوصف قدم الوصف على البدل وسبب ذلك أنه على نية تكرار العامل على المذهب الصحيح فصار من جملة أخرى على هذا المذهب وأما انتصابه على القطع فلا يجيء إلا على مذهب الكوفيين وقد أبطله البصريون والأولى من هذه الأقوال كلها أن يكون منصوبا على الحال من إسم الله والعامل فيه شهد وهو قول الجمهور وأما قراءة عبد الله القائم بالقسط فرفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره هو القائم بالقسط.
Page inconnue